المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٩٢
على بناء الفعل للمفعول، والْمُفْلِحُونَ البالغون آمالهم في دنياهم وآخرتهم، و«جهد اليمين» بلوغ الغاية في تعقيدها ولَيَخْرُجُنَ
معناه إلى الغزو وهذه في المنافقين الذين تولوا حين دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وقوله : قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
يحتمل معاني أحدها النهي عن القسم الكاذب إذ عرف أن طاعتهم دغلة رديئة.
فكأنه يقول لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه، والثاني أن يكون المعنى لا تتكلفوا القسم طاعة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم، والثالث أن يكون المعنى لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم، والرابع أن يكون المعنى لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسم، طاعة اللّه معروفة وشرعه وجهاد عدوه مهيع لائح، وقوله إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
متصل بقوله : لا تُقْسِمُوا
، وطاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ
، اعتراض بليغ، وقوله قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ الآية مخاطبة لأولئك المنافقين وغيرهم من الكفار وكل من يتعتى عن أمر محمد عليه السلام، وقوله تَوَلَّوْا معناه تتولوا محذوف التاء الواحدة يدل على ذلك، قوله : وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ ولو جعلنا تَوَلَّوْا فعلا ماضيا وقدرنا في الكلام خروجا من خطاب الحاضر إلى ذكر الغائب لاقتضى الكلام أن يكون بعد ذلك وعليهم ما حملوا، والذي حمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو التبليغ ومكافحة الناس بالرسالة وإعمال الجهد في إنذارهم، والذي حمل الناس هو السمع والطاعة واتباع الحق وباقي الآية بين، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع في رواية ورش «و يتقهي» بياء بعد الهاء قال أبو علي وهو الوجه.
وقرأ قالون عن نافع «و يتقه» بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر «و يتقه» جزما للهاء، وقرأ حفص عن عاصم وَيَتَّقْهِ بسكون وكسر الهاء.
قوله عز وجل :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)
قرأ الجمهور «استخلف» على بناء الفعل للفاعل، وقرأ أبو بكر عن عاصم والأعرج، «استخلف» على بناء الفعل للمفعول، وروي أن سبب هذه الآية أن أحد أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدو وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم وأنهم لا يضعون أسلحتهم فنزلت هذه الآية عامة لأمة محمد عليه السلام، وقوله فِي الْأَرْضِ يريد في البلاد التي تجاورهم والأصقاع التي قضى بامتدادهم إليها، و«استخلافهم» هو أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها كما جرى في الشام وفي العراق وخراسان