المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٩٨
استئذان فأخرج اللّه تعالى الذين لا يستأذنون عن صنيفة المؤمنين وأمر النبي عليه السلام أن يأذن للمؤمن الذي لا تدعوه ضرورة إلى حبسه وهو الذي يشاء ثم أمره بالاستغفار لصنفي المؤمنين من أذن له ومن لم يؤذن له وفي ذلك تأنيس للمؤمنين ورأفة بهم.
قوله عز وجل :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤)
هذه الآية مخاطبة لجميع معاصري رسول اللّه. وأمرهم اللّه أن لا يجعلوا مخاطبة رسول اللّه في النداء كمخاطبة بعضهم لبعض فإن سيرتهم كانت التداعي بالأسماء وعلى غاية البداوة وقلة الاهتبال، فأمرهم اللّه تعالى في هذه الآية وفي غيرها أن يدعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأشرف أسمائه وذلك هو مقتضى التوقير والتعزيز، فالمنبغي في الدعاء أن يقول يا رسول اللّه، وأن يكون ذلك بتوقير وخفض صوت وبر، وأن لا يجري ذلك على عادتهم بعضهم في بعض قاله مجاهد، وغيره، وقال ابن عباس المعنى في هذه الآية إنما هو لا تحسبوا دعاء الرسول عليكم كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ على بعض أي دعاؤه عليكم مجاب فاحذروه.
قال الفقيه الإمام القاضي : ولفظ الآية يدفع هذا المعنى.
والأول أصح ثم أخبرهم تعالى أن المتسللين منهم لِواذاً قد علمهم. واللواذ الروغان والمخالفة وهو مصدر لاوذ وليس بمصدر لاذ لأنه كان يقال له لياذا ذكره الزجاج وغيره، ثم أمرهم بالحذر من عذاب اللّه ونقمته إذا خالفوا عن أمره، وقوله يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ معناه يقع خلافهم بعد أمره وهذا كما تقول كان المطر عن ريح وعن هي لما عدا الشيء والفتنة في هذا الموضع الإخبار بالرزايا في الدنيا وبالعذاب الأليم في الآخرة ولا بد للمنافقين من أحد هذين ملكا وخلفا، ثم أخبرهم أنه قد علم ما أهل الأرض والسماء عليه وخص منهم بالذكر المخاطبين لأن ذلك موضع الحجة عليهم وهم به أعني وقوله : وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ يجوز أن يكون معمولا لقوله يَعْلَمُ ويجوز أن يكون التقدير والعلم الظاهر لكم أو نحو هذا يوم فيكون النصب على الظرف، وقرأ الجمهور «يرجعون» بضم الياء وفتح الجيم، وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمرو «يرجعون» بفتح الياء وكسر الجيم، وقال عقبة بن عامر الجهني رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ هذه الآية خاتمة النور فقال «و اللّه بكل شيء بصير» وباقي الآية بين.


الصفحة التالية
Icon