المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٠٢
المعنى ليس بهم في تكذيبك ومشيك في الأسواق بل إنهم كفرة لا يفقهون الحق، فقوله بَلْ ترك لنفس اللفظ المتقدم لا لمعناه على ما تقتضيه «بل» في مشهور معناها، وَأَعْتَدْنا جعلنا معدا، والعتاد ما يعد من الأشياء، و«السعير» طبق من أطباق. جهنم، وقوله إِذا رَأَتْهُمْ يريد جهنم، إِذا اقتضاها لفظ السعير ولفظ رَأَتْهُمْ يحتمل الحقيقة ويحتمل المجاز على معنى صارت منهم على قدر ما يرى الرائي من البعد إلا أنه ورد حديث يقتضي الحقيقة، ويحتمل المجاز، في هذا ذكر الطبري وهو أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :«من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعده من النار»، فقيل يا رسول اللّه أو لجهنم عينان؟ فقال :«اقرؤا إن شئتم إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ الآية، وروي في بعض الآثار أن البعد الذي تراهم منه مسيرة خمسمائة سنة، وقوله سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً لفظ فيه تجوز وذلك أن التغيظ لا يسمع وإنما المسموع ألفاظ دالة على التغيظ، وهي لا شك احتدامات في النار كالذي يسمع في نار الدنيا إذا اضطربت، ونسبة هذا المسموع الذي في الدنيا من ذلك نسبة الإحراق من الإحراق وهي سبعون درجة كما ورد في الصحيح، و«الزفير» صوت ممدود كصوت الحمار المرجع في نهيقه، قال النقاش «الزفير» آخر صوت الحمار عند نهيقه، قال عبيد بن عمير إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك ولا نبي إلا خرّ ثم ترعد فرائصه، «و المكان الضيق» منها، هو يقصد إلى التضييق عليهم في المكان من النار وذلك نوع من التعذيب، قال صلى اللّه عليه وسلم «إنهم ليكرهون في النار كما يكره الوتد في الحائط» أي يدعون لزا وعنفا، وقال ابن عباس تضيق عليهم كما يضيق الزج على الرمح، وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمرو «ضيقا» بتخفيف الياء والباقون يشدّدون ومُقَرَّنِينَ معناه مربوط بعضهم إلى بعض، وروي أن ذلك بسلاسل من نار، والقرينان من الثيران ما قرنا بحبل للحرث ومنه
قول الشاعر :[الطويل ]
إذا لم يزل حبل القرينين يلتوي فلا بد يوما من قوى أن تجدما
وقرأ أبو شيبة المهري صاحب معاذ بن جبل رحمه اللّه «مقرنون» بالواو وهي قراءة شاذة، والوجه قراءة الناس، وقوله ثُبُوراً مصدر وليس بالمدعو، ومفعول دَعَوْا محذوف تقديره دعوا من لا يجيبهم أو نحو هذا من التقديرات، ويصح أن يكون «الثبور» هو المدعو كما تدعى الحسرة والويل، والثبور قال ابن عباس هو الويل، وقال الضحاك هو الهلاك ومنه قول ابن الزبعرى :[الخفيف ]
إذا أجاري الشيطان في سنن الغ ي ومن مال ميله مثبور
وقوله لا تَدْعُوا إلى آخر الآية معناه يقال لهم على معنى التوبيخ والإعلام بأنهم يخلدون أي لا تقتصروا على حزن واحد بل أحزنوا كثيرا لأنكم أهل لذلك.
قوله عز وجل :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٥ الى ١٦]
قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦)


الصفحة التالية
Icon