المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٠٨
الرجل وجن فإنه لا يقال إلا أزكمه اللّه وأجنه وهذا باب سماع لا قياس، وقرأ أبو رجاء «و نزّل الملائكة» بفتح النون وشدّ الزاي وقرأ الأعمش، «و أنزل الملائكة» وكذلك قرأ ابن مسعود، وقرأ أبي بن كعب «و نزلت الملائكة»، وقرأ ابن كثير وحده «و ننزل الملائكة» بنونين وهي قراءة أهل مكة، فرويت عن أبي عمرو «و نزل الملائكة» بإسناد الفعل إليها، وقرأت فرقة «و تنزل الملائكة»، وقرأ أبي بن كعب أيضا «و تنزلت الملائكة»، ثم قرّر أن «الملك الحق هو يومئذ للرحمن»، إذ قد بطل في ذلك اليوم كل ملك وعسره عَلَى الْكافِرِينَ توجه بدخول النار عليهم فيه وما في خلال ذلك من المخاوف، وقوله عَلَى الْكافِرِينَ، دليله أن ذلك اليوم سهل على المؤمنين وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«إن اللّه ليهون القيامة على المؤمنين حتى أخف عليهم من صلاة مكتوبة صلوها».
قوله عز وجل :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٧ الى ٣١]
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١)
قوله وَيَوْمَ ظرف العامل فيه فعل مضمر، وعض اليدين هو فعل النادم الملهوف المتفجّع، وقال ابن عباس وجماعة من المفسرين الظَّالِمُ في هذه الآية عقبة بن أبي معيط وذلك أنه كان أسلم أو جنح إلى الإسلام وكان أبي بن خلف الذي قتله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده يوم أحد خَلِيلًا لعقبة فنهاه عن الإسلام فقبل نهيه فنزلت الآية فيهما ف الظَّالِمُ عقبة. و«فلان» أبي وفي بعض الروايات عن ابن عباس أن الظَّالِمُ أبي فإنه كان يحضر النبي صلى اللّه عليه وسلم فنهاه عقبة فأطاعه.
قال الفقيه الإمام القاضي : ومن أدخل في هذه الآية أمية بن خلف فقد وهم إلا على قول من يرى الظَّالِمُ اسم جنس، وقال مجاهد وأبو رجاء الظالم اسم جنس و«فلان» الشيطان.
قال الفقيه الإمام القاضي : ويظهر أن الظَّالِمُ عام وأن مقصد الآية تعظيم يوم القيامة وذكر هوله بأنه يوم تندم فيه الظلمة وتتمنى أن لو لم تطع في دنياها خلانها الذين أمروهم بالظلم، فلما كان خليل كل ظالم غير خليل الآخر وكان كل ظالم يسمي رجلا خاصا به عبر عن ذلك ب «فلان» الذي فيه الشياع التام ومعناه واحد من الناس، وليس من ظالم إلا وله في دنياه خليل يعينه ويحرضه، هذا في الأغلب ويشبه أن سبب الآية وترتب هذا المعنى كان عقبة وأبيا، وقوله مَعَ الرَّسُولِ يقوي ذلك بأن يجعل تعريف الرَّسُولِ للعهد والإشارة إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم، وعلى التأويل الأول التعريف بالجنس، وكلهم قرأ «يا ليتني» ساكنة الياء غير أبي عمرو فإنه حرك الياء في «ليتني اتخذت» ورواها أبو خليد عن نافع مثل أبي عمرو، و«السبيل» المتمناة هي طريق الآخرة، وفي هذه الآية لكل ذي نهية تنبيه على تجنب قرين