المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢١٠
منهم كتمثيلهم في هذه بالتوراة والإنجيل إلا جاء القرآن بِالْحَقِّ في ذلك بالجلية ثم هو أَحْسَنَ تَفْسِيراً وأفصح بيانا وتفصيلا، ثم توعد الكفار بما ينزل بهم يوم القيامة من الحشر على وجوههم إلى النار وذهب الجمهور، إلى أن هذا المشي على الوجوه حقيقة، وروي في ذلك من طريق أنس بن مالك حديث أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال له رجل يا رسول اللّه كيف يقدرون على المشي على وجوههم، وقال إن الذي أقدرهم على المشي على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، وقالت فرقة المشي على الوجوه استعارة للذلة المفرطة والهوان والخزي وقوله تعالى : شَرٌّ مَكاناً القول فيه كالقول في قوله خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان : ٢٤].
قوله عز وجل :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٥ الى ٣٩]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩)
هذه الآية التي ذكر فيها الأمم هي تمثيل لهم وتوعد أن يحل بهم ما حل بهؤلاء المعذبين، والْكِتابَ التوراة، والوزير المعين، وهو من تحمل الوزر أي ثقل الحال أو من الوزر الذي هو الملجأ، والْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا هم فرعون وملؤه من القبط، ثم حذف من الكلام كثير دل عليه ما بقي، وتقدير المحذوف فأديا الرسالة فكذبوهما فدمرناهم. وقرأ علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب «فدمرانهم» أي كونا سبب ذلك، قال أبو الفتح ألحق نون التوكيد ألف التثنية كما تقول اضربان زيدا.
قال الفقيه الإمام القاضي : وروي عن علي رضي اللّه عنه «فدمراهم»، وحكى عنهم أبو عمرو الداني «فدمرناهم» بكسر الميم خفيفة، قال وروي عنه «فدمروا بهم» على الأمر لجماعة وزيادة باء، والذي فسر أبو الفتح وهم وإنما القراءة «فدمرا بهم» بالباء، وكذلك المهدوي، ونصب قوله وَقَوْمَ نُوحٍ بفعل مضمر يدل عليه أَغْرَقْناهُمْ، وقوله الرُّسُلَ وهم إنما كذبوا نوحا فقط معناه أن الأمة التي تكذب نبيا واحدا ففي ضمن ذلك تكذيب جميع الأنبياء فجاءت العبارة بما يتضمنه فعلهم تغليظا في القول عليهم، وقوله آيَةً أي علامة على سطوة اللّه تعالى بكل كافر بأنبيائه، وعاد وثمود يصرف، وجاء هاهنا مصروفا، وقرأ ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى «و عادا» مصروفا «و ثمود» غير مصروف، واختلف الناس في أَصْحابَ الرَّسِّ فقال ابن عباس هم قوم ثمود، وقال قتادة هم أهل قرية من اليمامة يقال لها الرَّسِّ والفلج، وقال مجاهد هم أهل قرية فيها بير عظيمة إلخ... يقال لها الرَّسِّ، وقال كعب ومقاتل والسدي الرَّسِّ بير بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين، وقال الكلبي أَصْحابَ الرَّسِّ قوم بعث إليهم نبي فأكلوه، وقال قتادة أَصْحابَ الرَّسِّ وأصحاب ليكة قومان أرسل إليهما


الصفحة التالية
Icon