المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢١٢
إلى فهم المصالح، ومن حيث جهالة هؤلاء وضلالتهم في أمر أخطر من الأمر الذي فيه جهالة الأنعام، وقوله اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ معناه جعل هواه مطاعا فصار كالإله والهوى قائد إلى كل فساد لأن النفس أمارة بالسوء وإنما الصلاح إذا ائتمرت للعقل، وقال ابن عباس الهوى الإله يعبد من دون اللّه ذكره الثعلبي، وقيل الإشارة بقوله إِلهَهُ هَواهُ إلى ما كانوا عليه من أنهم كانوا يعبدون حجرا فإذا وجدوا أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الثاني الذي وقع هواهم عليه، قال أبو حاتم وروي عن رجل من أهل المدينة قال ابن جني هو الأعرج إِلهَهُ هَواهُ والمعنى اتخذ شمسا يستضيء بها هواه إذ الشمس يقال لها إلهة وتصرف ولا تصرف، و«الوكيل» القائم على الأمر الناهض به.
قوله عز وجل :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)
أَلَمْ تَرَ معناه انتبه، والرؤية هاهنا رؤية القلب، وأدغم عيسى بن عمر رَبِّكَ كَيْفَ، قال أبو حاتم والبيان أحسن، ومَدَّ الظِّلَّ بإطلاق هو بين أول الإسفار إلى بزوغ الشمس ومن بعد مغيبها مدة يسيرة فإن في هذين الوقتين على الأرض كلها ظل ممدود على أنها نهار، وفي سائر أوقات النهار ظلال متقطعة والمد والقبض مطرد فيها وهو عندي المراد في الآية واللّه أعلم، وفي الظل الممدود ما ذكر اللّه في هواء الجنة لأنها لما كانت لا شمس فيها كان ظلها ممدودا أبدا.
وتظاهرت أقوال المفسرين على أن مَدَّ الظِّلَّ هو من الفجر إلى طلوع الشمس وهذا معترض بأن ذلك في غير نهار بل في بقايا الليل لا يقال له ظل، وقوله تعالى : وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي ثابتا غير متحرك ولا منسوخ، لكنه جعل الشَّمْسَ ونسخها إياه وطردها له من موضع إلى موضع دَلِيلًا عليه مبينا لوجوده ولوجه العبرة فيه، حكى الطبري أنه لولا الشمس لم يعلم أن الظل شيء إذ الأشياء إنما تعرف بأضدادها وقوله قَبْضاً يَسِيراً يحتمل أن يريد لطيفا أي شيئا بعد شيء لا في مرة واحدة ولا بعنف، قال مجاهد، ويحتمل أن يريد معجلا وهذا قول ابن عباس ويحتمل أن يريد سهلا قريب المتناول، قال الطبري ووصف اللَّيْلَ باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء ويغشاها، و«السبات» ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضا، فشبه النائم به، والسبت الإقامة في المكان فكأن السبات سكون ما وثبوت عليه، و«النشور» في هذا الموضع الإحياء شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة والتوفي اللذين يتضمنهما النوم والسبات ويحتمل أن يريد ب «النشور» وقت انتشار وتفرق لطلب المعايش وابتغاء فضل اللّه، وقوله النَّهارَ نُشُوراً وما قبله من باب ليل نائم ونهار صائم.
قوله عز وجل :
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)


الصفحة التالية
Icon