المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٢٦
وقوله تعالى : فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ. الآية وعيد بعذاب الدنيا والآخرة، ويقوى أنه وعيد بعذاب الدنيا لأن ذلك قد نزل بهم كبدر وغيرها، ولما كان إعراضهم عن النظر في الصانع والإله من أعظم كفرهم وكانوا يجعلون الأصنام آلهة ويعرضون عن الذكر في ذلك، نبه على قدرة اللّه وأنه الخالق المنشئ الذي يستحق العبادة بقوله أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ الآية، و«الزوج» النوع والصنف، و«الكريم» الحسن المتقن قاله مجاهد وقتادة، ويراد الأشياء التي بها قوام الأمور والأغذية والنباتات، ويدخل في ذلك الحيوان لأنه عن إنبات ومنه قوله تعالى : وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح : ١٧]. قال الشعبي الناس من نبات الأرض فمن صار إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فبضد ذلك وقوله تعالى : وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.
حتم على أكثرهم بالكفر ثم توعد تعالى بقوله : وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. يريد عز في نقمته من الكفار ورحم مؤمني كل أمة، وقال نحو هذا ابن جريج، وفي لفظة الرَّحِيمُ وعد.
قوله عز وجل :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠ الى ١٩]
وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)
قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩)
التقدير واذكر إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى وسوق هذه القصة تمثيل لكفار قريش لتكذيبهم محمدا صلى اللّه عليه وسلم، وقوله أَنِ ائْتِ يجوز في أَنِ أن تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب بمنزلة أي، ويجوز أن تكون غيرها وهي في موضع نصب بتقدير بأن ائت، وقوله أَلا يَتَّقُونَ معناه قل لهم فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم وأمرهم بالتقوى، وقرأ الجمهور «يتقون» بالياء من تحت، وقرأ عبد اللّه بن مسلم وحماد بن سلمة وأبو قلابة «تتقون» بالتاء من فوق على معنى قل لهم، ولعظيم نخوة فرعون وتألهه وطول مدته وما أشربت القلوب من مهابته قال عليه السلام إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ. وقرأ جمهور الناس «و يضيق» بالرفع و«ينطلق» كذلك، وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى ذلك بالنصب فيهما، فقراءة الرفع هي إخبار من موسى بوقوع ضيق صدره وعدم انطلاق لسانه، وبهذا رجح أبو علي هذه القراءة، وقراءة النصب تقتضي أن ذلك داخل تحت خوفه وهو عطف على يُكَذِّبُونِ، وكان في خلق موسى عليه السلام حد وكان في لسانه حبسة بسبب الجمرة في طفولته، وحكى أبو عمرو عن الأعرج أنه قرأ بنصب «و يضيق» وبرفع «ينطلق»، وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة، فإذا كان هذا في وقت ضيق صدر ولم ينطلق اللسان، وقد قال موسى عليه السلام وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي [طه : ٢٧] فالراجح قراءة الرفع، وقوله تعالى : فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ معناه يعينني ويؤازرني، وكان هارون عليه السلام فصيحا واسع الصدر، فحذف بعض المراد من القول إذ باقيه دال عليه، ثم ذكر موسى خوفه


الصفحة التالية
Icon