المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٣٣
والظفر، وقرأ الجمهور «إنا لمدركون»، وقرأ الأعرج وابن عمير «إنا لمدرّكون» بفتح الدال وشدّ الراء ومعناها يتتابع علينا حتى نفنى، وقرأ حمزة «تريء الجمعان» بكسر الراء بمد ثم بهمز، وروي مثله عن عاصم، وروي أيضا عنه مفتوحا ممدودا، والجمهور يقرؤونه مثل تداعى وهذا هو الصواب، لأنه تفاعل، قال أبو حاتم وقراءة حمزة في هذا الحرف محال، وحمل عليه، قال وما روي عن الأعمش وابن وثاب خطأ.
قوله عز وجل :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٨]
فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨)
لما عظم البلاء على بني إسرائيل أمر اللّه موسى أن يضرب البحر بعصاه، وذلك لأنه عز وجل أراد أن تكون الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل فعله وإلا فضرب العصا ليس بفالق للبحر ولا معين على ذلك بذاته إلا بما اقترن به من قدرة اللّه واختراعه، ولما انفلق البحر صار فيه اثنا عشر طريقا على عدد أسباط بني إسرائيل، ووقف الماء ساكنا كالجبل العظيم، وروي عن ابن جريج والسدي وغيرهما أن بني إسرائيل ظن كل فريق منهم أن الباقي قد غرق، فأمر اللّه الماء فصار كالشراجب والطيقان وراء بعضهم بعضا فتأنسوا وَأَزْلَفْنا معناه قربنا، وقرأ ابن عباس عن أبي بن كعب «و أزلقنا» بالقاف ونسبها أبو الفتح إلى عبد اللّه بن الحارث، وقرأ أبو حيوة والحسن «زلفنا» بغير ألف وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر وقد دخل بنو إسرائيل قيل إنه صمم ومخرق، بأن قال لي انفرق، فدخل على ذلك، وقيل بل كع وهم بتدبير الانصراف فعرض جبريل على فرس وديق فمضى وراءه حصان فرعون، فدخل على نحو هذا وتبعه الناس، وروي أن اللّه تعالى جعل ملائكة تسوق قومه حتى حصولهم في البحر، ثم إن موسى وقومه خرجوا إلى البر من تلك الطرق ولما أحسوا باتباع فرعون وقومه فزعوا من أن يخرج وراءهم، فهم موسى بخلط البحر فحينئذ قيل له، اترك البحر رهوا، ولما تكامل جند فرعون وهو مقدمهم بالخروج انطبق عليهم البحر وغرقوا، ودخل موسى عليه السلام البحر بالطول. وخرج في الضفة التي دخل منها بعد مسافة وكان بين موضع دخوله وموضع خروجه أوعار وجبال ولا تسلك إلا على تخليق الأيام، وكان ذلك في يوم عاشوراء، وقال النقاش البحر الذي انفلق لموسى نهر النيل بين إيلة ومصر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا مردود إن شاء اللّه، وقوله تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ تنبيه على موضع العبرة، وقوله وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ أي عز في نقمته من الكفار ورحم المؤمنين من كل أمة وقد مضى كثير مما يلزم من قصة موسى عليه السلام.
قوله عز وجل :
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٦٩ الى ٧٧]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧)