المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٣٧
أسند كَذَّبَتْ إلى «القوم» وفيه علامة التأنيث من حيث القوم في معنى الأمة والجماعة، وقوله الْمُرْسَلِينَ من حيث من كذب نبيا واحدا، كذب جميع الأنبياء إذ قولهم واحد ودعوتهم سواء، وقوله أَخُوهُمْ يريد في النسب والمنشأ لا في الدين، وأَمِينٌ معناه على وحي اللّه ورسالته، وقرأ ابن كثير وعاصم «أجري» ساكنة الياء، وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة بفتح الياء في كل القرآن، ثم رد عليهم الأمر بالتقوى والدعاء إلى طاعته تحذيرا ونذارة وحرصا عليهم فذهب أشرافهم إلى استنقاص أتباعه بسبب صغار الناس الذين اتبعوه وضعفائهم، وهذا كفعل قريش في شأن عمار بن ياسر وصهيب وغيرهما، وقال بعض الناس الْأَرْذَلُونَ الحاكة، والحجامون والأساكفة، وفي هذا عندي على جهة المثال أي أهل الصنائع الخسيسة لا أن هذه الصنائع المذكورة خصت بهذا، والْأَرْذَلُونَ جمع الأرذل ولا يستعمل إلا معرفا أو مضافا أو ب «من».
قال القاضي أبو محمد : ويظهر من الآية أن مراد «قوم نوح» بنسبة الرذيلة إلى المؤمنين تهجين أفعالهم لا النظر في صنائعهم، يدل على ذلك قول نوح ما عِلْمِي الآية، لأن معنى كلامه ليس في نظري وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة إنما أقنع بظاهرهم وأجتزئ به، ثم حسابهم على اللّه تعالى، وهذا نحو قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس» الحديث بجملته، وقرأ جمهور الناس «و اتبعك» على الفعل الماضي، وقرأ ابن السميفع اليماني وسعيد بن أسعد الأنصاري «و أتباعك» على الجمع، ونسبها أبو الفتح إلى ابن مسعود والضحاك وطلحة، قال أبو عمرو وهي قراءة ابن عباس والأعمش وأبي حيوة، وقرأ عيسى بن عمر الهمذاني «لو يشعرون» بالياء من تحت، وإعراب قوله «و أتباعك» إما جملة في موضع الحال وإما عطف على الضمير المرفوع وحسن لك الفصل بقوله لَكَ، وقولهم مِنَ الْمَرْجُومِينَ، يحتمل أن يريدوا بالحجارة، ويحتمل أن يريدوا بالقول والشتم ونحوه، وهو شبيه برجم الحجارة، وهو من الرجم بالغيب والظن ونحو ذلك، وقوله «افتح» معناه احكم، والفتاح القاضي بلغة يمنية، والْفُلْكِ السفينة وجمعها فلك أيضا، وقد تقدم بسط القول في هذا الجمع في سورة الأعراف، والْمَشْحُونِ معناه المملوء بما ينبغي له من قدر ما يحمل، وباقي الآية بين.