المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٥٠
ويجوز أن يكون «القبس» مصدر قبس يقبس كما الجلب مصدر جلب يجلب وقال أبو الحسن :
الإضافة أجود وأكثر في القراءة كما تقول دار آجر وسوار ذهب حكاه أبو علي، وتَصْطَلُونَ معناه تستدفئون من البرد، والضمير في جاءَها للنار التي رآها موسى، وقوله أَنْ بُورِكَ يحتمل أن تكون أَنْ مفسرة، ويحتمل أن تكون في موضع نصب على تقدير «بأن بورك»، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير نودي أنه قاله الزجاج، وقوله بُورِكَ معناه قدس وضوعف خيره ونمي، والبركة مختصة بالخير، ومن هذا قول أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب :
بورك الميت الغريب كما بو رك ينع الرمان والزيتون
وبارك متعد بغير حرف تقول العرب باركك اللّه وقوله مَنْ فِي النَّارِ اضطرب المتأولون فيه فقال ابن عباس وابن جبير والحسن وغيرهم : أراد عز وجل نفسه وعبر بعضهم في هذا القول عبارات مردودة شنيعة، وقال ابن عباس رضي اللّه عنه : أراد النور، وقال الحسن وابن عباس : أراد بمن حولها الملائكة وموسى.
قال القاضي أبو محمد : فأما قول الحسن وغيره فإنما يتخرج على حذف مضاف بمعنى بُورِكَ مَنْ قدرته وسلطانه فِي النَّارِ والمعنى في النار على ظنك وما حسبت، وأما القول بأن مَنْ للنور فهذا على أن يعبر على النور بمن من حيث كان من نور اللّه ويحتمل أن تكون من الملائكة لأن ذلك النور الذي حسبه موسى نارا لم يخل من الملائكة، وَمَنْ حَوْلَها يكون لموسى عليه السلام وللملائكة المطيفين به، وقرأ أبي بن كعب «أن بوركت النار»، كذا حكى أبو حاتم وحكى ابن جني أنه قرأ «تباركت النار ومن حولها»، وحكى الداني أبو عمرو أنه قرأ «و من حولها من الملائكة»، قال : وكذلك قرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة، وقوله تعالى : وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يحتمل أن يكون مما قيل في النداء لموسى، ويحتمل أن يكون خطابا لمحمد عليه السلام اعتراضا بين الكلامين، والمقصد به على كلا الوجهين تنزيه اللّه تعالى ممّا عسى أن يخطر ببال في معنى النداء من الشجرة وكون قدرته وسلطانه في النار وعود من عليه، أي هو منزه في جميع هذه الحالات عن التشبيه والتكييف، قال الثعلبي : وإنما الأمر كما روي أن في التوراة جاء اللّه من سيناء وأشرق من ساعير واستعلى من فاران، المعنى ظهرت أوامره بأنبيائه في هذه الجهات وفاران جبل مكة، وباقي الآية إعلام بأنه اللّه تعالى والضمير في إِنَّهُ للأمر والشأن.
قال الطبري : ويسميها أهل الكوفة المجهولة وأنسه بصفاته من العزة، أي لا خوف معي، والحكمة، أي لا نقص في أفعالي.
قوله عز وجل :
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١٠ الى ١٢]
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢)
أمره اللّه عز وجل بهذين الأمرين تدريبا له في استعمالهما، وفي الكلام حذف تقديره فألقى العصا


الصفحة التالية
Icon