المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٦٢
الآية، وهذا منه على جهة تعديد نعم اللّه، وإنما قال ذلك لما علمت هي وفهمت، ذكر هو نعمة اللّه عليه وعلى آبائه، وقوله تعالى : وَصَدَّها الآية، يحتمل أن يكون من قول اللّه تعالى إخبارا لمحمد عليه السلام والصاد ما كانت تعبد أي عن الإيمان ونحوه. وقال الرماني عن التفطن للعرش، لأن المؤمن يقظ والكافر خشيب أو يكون الصاد سليمان عليه السلام قاله الطبري، أو يكون الصاد اللّه عز وجل. ولما كان صَدَّها بمعنى منعها، تجاوز على هذا التأويل بغير حرف جر وإلا فبابه ألا يتعدى إلا ب «عن»، وقرأ جمهور الناس «إنها بكسر الهمزة، وقرأ سعيد بن جبير وابن أبي عبلة «أنها» بفتح الهمزة وهو على تقدير ذلك أنها، أو على البدل من ما، قال محمد بن كعب القرظي وغيره ولما وصلت بلقيس أمر سليمان الجن فصنعت له صرحا وهو الصحن من غير سقف وجعلته مبنيا كالصهريج وملىء ماء وبث فيه السمك والضفادع وطبق بالزجاج الأبيض الشفاف، وبهذا جاء صرحا، وصَّرْحَ
أيضا كل بناء عال، وكل هذا من التصريح وهو الإعلان البالغ، وجعل لسليمان في وسطه كرسي، فلما وصلت إليه بلقيس يلَ لَهَا ادْخُلِي
إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فلما رأت اللجة وفزعت وظنت أنها قصد بها الغرق وعجبت من كون كرسيه على الماء ورأت ما هالها ولم يكن لها بد من امتثال الأمر ف «كشفت عن ساقيها»، فرأى سليمان ساقيها سليمة مما قالت الجن غير أنها كثيرة الشعر، فلما بلغا هذا الحد، قال لها سليمان نَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
و«الممرد» المحكوك المملس، ومنه الأمرد والشجرة المرداء التي لا ورق عليها والممرد أيضا المطول، ومنه قيل للحصن مارد، وعند ذلك استسلمت بلقيس وأذعنت وأسلمت وأقرت على نفسها بالظلم، فروي أن سليمان تزوجها عند ذلك وأسكنها الشام قاله الضحاك، وقال سعيد بن عبد العزيز في كتاب النقاش تزوجها وردها إلى ملكها باليمن وكان يأتيها على الريح كل يوم مرة، فولدت له غلاما سماه داوود مات في حياته، وعَ
ظرف، وقيل حرف بني على الفتح، وأما إذا أسكنت العين فلا خلاف أنه حرف جاء لمعنى وقرأ ابن كثير وحده في رواية أبي الأخريط «عن سأقيها» بالهمز قال أبو علي وهي ضعيفة وكذلك يضعف الهمز في قراءة قنبل «يكشف عن سأق» فأما همز السؤق وعلى سؤقه فلغة مشهورة في همز الواو التي قبلها ضمة حكى أبو علي أن أبا حيّة النميري كان يهمز كل واو قبلها ضمة وأنشد «لحب المؤقدان إلى موسى» ووجهها أن الضمة تقوم على الواو إذ لا حائل بينهما، وقرأ ابن مسعود «عن رجليها»، وروي أن سليمان عليه السلام لما أراد زوال شعر ساقيها أشفق من حمل الموسى عليها وقيل إنها قالت ما مسني حديد قط فأمر الجن بالتلطف في زواله.
فصنعوا النورة ولم تكن قبل الأمم، وهذه الأمور التي فعلها سليمان عليه السلام من سوق العرش وعمل الصرح وغير ذلك قصد بذلك معاياتها والإغراب عليها، كما سلكت هي قبل سبيل ملوك الدنيا في ذلك بأن أرسلت الجواري والغلمان واقترحت في أمر القدح والذرتين.
قوله عز وجل :
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧)


الصفحة التالية
Icon