المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٧٦
ومتى جاءت الْأَرْضِ هكذا عامة فإنما يراد بها الأرض التي تشبه قصة القول المسوق لأن الأشياء التي تعم الأرض كلها قليلة والأكثر ما ذكرناه، و«الشيع» الفرق، وكان هذا الفعل من فرعون بأن جعل القبط ملوكا مستخدمين، وجعل بني إسرائيل عبيدا مستخدمين، وهم كانوا الطائفة المستضعفة، ويُذَبِّحُ مضعف للمبالغة والعبارة عن تكرار الفعل، وقال قتادة كان هذا الفعل من فرعون بأنه قال له كهنته وعلماؤه إن غلاما لبني إسرائيل يفسد ملكك، وقال السدي : رأى في ذلك رؤيا - فأخذ بني إسرائيل يذبح الأطفال سنين فرأى أنه يقطع نسلهم، فعاد يذبح عاما ويستحيي عاما، فولد هارون في عام الاستحياء وولد موسى في عام الذبح، وقرأ جمهور القراء «يذبح» بضم الياء وكسر الباء على التكثير، وقرأ أبو حيوة، وابن محيصن بفتح الياء وسكون الذال، قال وهب بن منبه : بلغني أن فرعون ذبح في هذه المحاولة سبعين ألفا من الأطفال، وقال النقاش : جميع ما قتل ستة عشر طفلا.
قال الفقيه الإمام القاضي : طمع بجهله أن يرد القدر وأين هذا المنزع من قول النبي عليه السلام «فلن تقدر عليه» يعني ابن صياد، وباقي الآية بين.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥ الى ٧]
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)
المعنى يستضعف فرعون ونحن نريد أن ننعم ونعظم المنة على أولئك المستضعفين، و«الأئمة» ولاة الأمور قاله قتادة وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ يريد أرض مصر والشام، وقرأ الأعمش «و لنمكن» بلام، وقرأ الجمهور «و نري فرعون» بضم النون وكسر الراء وفتح الياء ونصب فرعون، وقرأ حمزة والكسائي «و يرى» بالياء وفتح الراء وسكون الياء على الفعل الماضي وإسناد الفعل إلى فِرْعَوْنَ ومن بعده والمعنى ويقع فرعون وقومه وجنوده فيما خافوه وحذروه من جهة بني إسرائيل وظهورهم، وَهامانَ هو وزير فرعون وأكبر رجاله، فذكر لمحله من الكفر ولنباهته في قومه فله في هذا الموضع صغار ولعنة لا شرف، وهذا «الوحي» إِلى أُمِّ مُوسى قالت فرقة : كان قولا في منامها، وقال قتادة : كان إلهاما، وقالت فرقة : كان بملك تمثل لها وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال الملك لها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص في الحديث المشهور وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة، وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي وقع في نفسها هو من عند اللّه ووعد منه، يقتضي ذلك قوله تعالى بعد : فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [القصص : ١٣] وهذا معنى قوله لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص : ١٠] أي بالوعد، وقال السدي وغيره : أمرت أن ترضعه عقب الولادة وتصنع به ما في الآية. لأن


الصفحة التالية
Icon