المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٨٠
يريد القبط، و«الأشد»، جمع شدة كنعمة وأنعم، هذا قول سيبويه وقال غيره :«الأشد» جمع شد وقالت فرقة «الأشد» اسم مفرد وليس بجمع، واختلف في قدر الأشد من السنين، فقالت فرقة : بلوغ الحلم وهي نحو خمسة عشر عاما، وقالت فرقة : ثمانية عشر عاما، وقال السدي : عشرون، وقالت فرقة : خمسة وعشرون، وقالت فرقة : ثلاثون، وقال مجاهد وابن عباس : ثلاثة وثلاثون، وقالت فرقة عظيمة : ستة وثلاثون، وقال مجاهد وقتادة «الاستواء» أربعون سنة، وقال مكي وقيل هو ستون سنة وهذا ضعيف، و«الأشد» شدة البدن واستحكام أسره وقوته، واسْتَوى معناه تكامل عقله وحزمه، وذلك عند الجمهور مع الأربعين، و«الحكم» الحكمة، و«العلم»، والمعرفة بشرع إبراهيم عليه السلام وهي مقدمة نبوته عليه السلام، واختلف المتألون في قوله تعالى وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فقال السدي : كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون، فقالوا فركب فرعون يوما وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة، قاله ابن عباس وقال أيضا هو ما بين العشاء والعتمة، وقال ابن إسحاق بل الْمَدِينَةَ مصر نفسها، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفيا بنفسه متخوفا منهم فدخل متنكرا حذرا مغتفلا للناس، وقال ابن زيد : بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به، وقيل كان يوم عيد، وقوله تعالى : يَقْتَتِلانِ في موضع الحال أي مقتتلين، وشِيعَتِهِ بنو إسرائيل، وعَدُوِّهِ القبط، وذكر الأخفش سعيد «استعانه» بالعين غير معجمة وبالنون وهي تصحيف لا قراءة، وذكر الثعلبي أن الذي مِنْ
شِيعَتِهِ هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون، وقوله هذا وَهذا حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر ب هذا عن غائب ماض، «و الوكز» الضرب باليد مجموعا كعقد ثلاثة وسبعين، وقرأ ابن مسعود «فلكزه» والمعنى واحد، إلا أن اللكز في اللحا، والوكز على القلب، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود «فنكزه» بالنون والمعنى واحد، «و قضى عليه»، معناه قتله مجهزا، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٦ الى ١٨]
قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)
ثم إن ندم موسى حمله على الخضوع لربه والاستغفار عن ذنب باء به عنده تعالى فغفر اللّه خطأه ذلك. قال قتادة : عرف واللّه المخرج فاستغفر.


الصفحة التالية
Icon