المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٨٤
كثير في القرآن والكلام، وهي قراءة الأعرج وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق وعيسى، والرِّعاءُ جمع راع، وتَوَلَّى موسى عليه السلام إلى ظل سمرة قاله ابن مسعود، وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، ولم يصرح بسؤال، هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله، قال ابن عباس : وكان قد بلغ به الجوع واخضر لونه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه بظهره، ورئيت خضرة البقل في بطنه وإنه لأكرم الخلق يومئذ على اللّه، وروي أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدمه، وفي هذا معتبر وحاكم بهوان الدنيا على اللّه تعالى.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)
في هذا الموضع اختصار يدل عليه الظاهر قدره ابن إسحاق فذهبتا إلى أبيهما سريعتين وكانت عادتهما الإبطاء في السقي فحدثتاه بما كان من أمر الرجل الذي سقى لهما فأمر الكبرى من بنتيه، وقيل الصغرى، أن تدعوه له فجاءت على ما في هذه الآية، وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى شرفا، وروي أن اسم زوجة موسى منهما صفورة، وقيل إن اسمها صوريا، وقال وهب : زوجه الكبرى، وروي عن النبي عليه السلام أنه زوجه الصغرى، وذكره الثعلبي ومكي من طريق أبي ذر، وقال النقاش : ويقال كانتا توأمتين، وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار، وقوله تَمْشِي حال من إِحْداهُما، وقوله عَلَى اسْتِحْياءٍ أي خفرة قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وقال عمرو بن ميمون : لم تكن سلفعا من النساء ولاجة خراجة، واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى عليه السلام من هو، فقال الجمهور هو شعيب عليه السلام وهما ابنتاه، وقال الحسن : هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان، وقال أبو عبيدة : يثرون، وقيل هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب، وقيل إن المرأتين إنما كان مرسلهما عمهما وهو كان صاحب الغنم وهو المزوج ولكن عبر عن العم بالأب في جميع الأمر إذ هو بمثابته، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة أجاب فقام يتبعها إلى أبيها فهبت ريح ضمت قميصها إلى بدنها فوصفت عجيزتها فتحرج موسى من النظر إليها فقال لها ارجعي خلفي وأرشديني الطريق ففهمت عنه فذلك سبب وصفها له بالأمانة قاله ابن عباس، فوصل موسى عليه السلام إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله إلى آخره فأنسه بقوله لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون.
فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ الآية، فلما وصفته بالقوة والأمانة


الصفحة التالية
Icon