المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٩٢
الراهب، وقال الزهراوي : إلى النجاشي، وقيل : إلى سلمان وابن سلام، وأسند الطبري عن علي بن أبي رفاعة قال : خرج عشرة رهط من أهل الكتاب فيهم أبو رفاعة يعني أباه فأسلموا فأوذوا فنزلت فيهم هذه الآية، والضمير في قَبْلِهِ يحتمل أن يعود على النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويحتمل أن يعود على القرآن، وما بعد يؤيد هذا، قوله وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ وقولهم إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ يريدون الإسلام المتحصل لهم من شريعة موسى وعيسى عليهما السلام، وأَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ معناه على ملتين وبحظوة شريعتين، وهذا المعنى هو الذي قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«ثلاثة يؤتيهم أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، والعبد الناصح في عبادة ربه وخدمة سيده، ورجل كانت له أمة فأدبها وعلمها ثم أعتقها وتزوجها» وقوله تعالى : بِما صَبَرُوا عام في صبرهم على ملتهم ثم على هذه وعلى الأذى الذي يلقونه من الكفار وغير ذلك من أنواع الصبر، وقوله تعالى : وَيَدْرَؤُنَ معناه يدفعون هذا وصف لمكارم الأخلاق أي يتعاقبون ومن قال لهم سوءا لا ينوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه، وهذه آية مهادنة وهي في صدر الإسلام وهي مما نسخته آية السيف وبقي حكمها فيما دون الكفر يتعاطاها أمة محمد إلى يوم القيامة، وقوله تعالى : وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ مدح لهم بالنفقة في الطاعات وعلى رسم الشرع، وفي ذلك حض على الصدقات ونحوها، واللَّغْوَ سقط القول، والقول يسقط لوجوه يعز حصرها، فالفحش لغو، والسب لغو، واليمين لغو حسب الخلاف فيها، وكلام مستمع الخطبة لغو، والمراد من هذا في هذه الآية ما كان سبا وأذى فأدب أهل الإسلام الإعراض عنه، والقول على جهة التبري لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وقال ابن زيد اللَّغْوَ هاهنا ما كان بنو إسرائيل كتبوه في التوراة مما ليس من عند اللّه.
قال القاضي أبو محمد : فهذه المهادنة هي لبني إسرائيل الكفار منهم، وسَلامٌ عَلَيْكُمْ في هذا الموضع ليس المقصود بها التحية، لكنه لفظ التحية قصد به المتاركة، وهو لفظ مؤنس مستنزل لسامعه إذ هو في عرف استعماله تحية.
قال الزجاج : وهذا قبل الأمر بالقتال، ولا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ معناه لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمسابة.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨)
أجمع جل المفسرين على أن قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ إنما نزلت في شأن أبي طالب عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال أبو هريرة وابن المسيب وغيرهما : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم