المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٩٥
وأضاف الشركاء إليهم لما كان ذلك الاسم بزعمهم ودعواهم، فيهذا القول من الاختصاص أضاف الشركاء إليهم، ثم أخبر أنهم دعوهم فلم يكن في الجمادات ما يجيب ورأى الكفار العذاب، وقوله تعالى : لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ ذهب الزجاج وغيره من المفسرين إلى أن جواب لَوْ محذوف تقديره لما نالهم العذاب ولما كانوا في الدنيا عابدين للأصنام ففي الكلام على هذا التأويل تأسف عليهم، وذلك محتمل مع تقديرنا الجواب لما كانوا عابدين للأصنام وفيه مع تقديرنا الجواب لما نالهم العذاب نعمة منا، وقالت فرقة لَوْ متعلقة بما قبلها تقديره فودّوا لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٥ الى ٦٨]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨)
هذا النداء أيضا كالأول في احتماله الواسطة من الملائكة، وهذا النداء أيضا للكفار يوقفهم على ما أجابوا به الْمُرْسَلِينَ الذين دعوهم إلى اللّه تعالى فتعمى عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ أي أظلمت لهم الأمور فلم يجدوا خبرا يخبرون به مما لهم فيه نجاة، وساق الفعل في صيغة المضي لتحقق وقوعه وأنه يقين، والماضي من الأفعال متيقن فلذلك توضع صيغته بدل المستقبل المتيقن وقوعه وصحته، و«عميت» معناه أظلمت جهاتها وقرأ الأعمش «فعمّيت» بضم العين وشد الميم، وروي في بعض الحديث : كان اللّه في عماء، وذلك قبل أن يخلق الأنوار وسائر المخلوقات، والْأَنْباءُ جمع نبأ، وقوله تعالى فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ معناه فيما قال مجاهد وغيره بالأرحام والمتات الذي عرفه في الدنيا أن يتساءل به لأنهم قد أيقنوا أن كلهم لا حيلة له ولا مكانة.
ويحتمل أن يريد أنهم لا يتساءلون عن الأنباء ليقين جميعهم أنه لا حجة لهم، ثم انتزع تعالى من الكفرة مَنْ تابَ من كفره وَآمَنَ باللّه ورسله وَعَمِلَ بالتقوى، ورجى عز وجل فيهم أنهم يفوزون ببغيهم ويبقون في النعيم الدائم وقال كثير من العلماء «عسى» من اللّه واجبة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ظن حسن باللّه تعالى يشبه فضله وكرمه واللازم من «عسى» أنها ترجية لا واجبة، وفي كتاب اللّه عز وجل عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ [التحريم : ٥]، وقوله تعالى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ الآية، قيل سببها ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم وقول بعضهم لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف : ٣١] فنزلت هذه الآية بسبب تلك المنازع، ورد اللّه تعالى عليهم وأخبر أنه يخلق من عباده وسائر مخلوقاته ما يشاء وأنه يختار لرسالته من يريد ويعلم فيه المصلحة ثم نفى أن يكون الاختيار للناس في هذا ونحوه، هذا قول جماعة من المفسرين أن ما نافية أي ليس لهم تخير على اللّه تعالى فتجيء الآية كقوله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ الآية [الأحزاب : ٣٦].