المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣١٢
المعنى ييسر من يشاء لأعمال من حق عليه العذاب وييسر من يشاء لأعمال من سبقت له الرحمة فيتعلق الثواب والعقاب بالاكتساب المقترن بالاختراع الذي للّه تعالى في أعمال العبد، ثم أخبر أن إليه المنقلب وأن البشر ليس بمعجز ولا مفلت فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، ويحتمل أن يريد ب السَّماءِ الهواء علوا أي ليس للإنسان حيلة صعد أو نزل حكى نحوه الزهراوي ويحتمل أن يريد السَّماءِ المعروفة أي لستم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا ولو كنتم فِي السَّماءِ، وقال ابن زيد معناه ولا من في السماء معجز إن عصى ونظروه على هذا بقول حسان بن ثابت :[الوافر]
أمن يهجو رسول اللّه منا ويمدحه وينصره سواء
والتأويل الأوسط أحسنها.
ونحوه قول الأعشى :[الطويل ]
ولو كنت في جب ثمانين قامة ولقيت أسباب السماء بسلم
ليعتورنك القول حتى تهزه وتعلم أني لست عنك بمحرم
و«الولي» أخص من «النصير، وقرأ يحيى بن الحارث وابن القعقاع «ييسوا» من غير همز، قال قتادة ذم اللّه تعالى قوما هانوا عليه فقال أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي.
قال القاضي أبو محمد : وما تقدم من قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ [العنكبوت : ١٩] إلى هذه الآية المستأنفة، يحتمل أن يكون خطابا لمحمد ويكون اعتراضا في قصة إبراهيم، ويحتمل أن يكون خطابا لإبراهيم ومحاورة لقومه، وعند آخر ذلك ذكر جواب قومه.
قوله عز وجل :
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥)
قرأ الجمهور «جواب» بالنصب، وقرأ الحسن «جواب» بالرفع، وكذلك قرأ سالم الأفطس، وأخبر اللّه تعالى عنهم أنهم لما بين إبراهيم الحجج وأوضح أمر الدين رجعوا معه إلى الغلبة والقهر والغشم وعدوا عن طريق الاحتجاج حين لم يكن لهم قبل به فتأمروا في قتله أو تحريقه بالنار، وأنفذوا أمر تحريقه حسبما قد اقتص في غير هذا الموضع، «و أنجاه اللّه» تعالى من نارهم بأن جعلها عليه بردا وسلاما، قال كعب