المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣١٤
قوله عز وجل :
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨)
فَآمَنَ معناه فصدق وهو فعل يتعدى بالباء وباللام والقائل إِنِّي مُهاجِرٌ هو إبراهيم عليه السلام قاله قتادة والنخعي.
وقالت فرقة : هو لوط عليه السلام، ومما صح من القصص أن إبراهيم ولوطا هاجرا من قريتهما كوثا وهي في سواد الكوفة من أرض بابل إلى بلاد الشام فلسطين وغيرها، وقال ابن جريج : إلى حران، ثم أمرا بعد إلى الشام وفي هذه الهجرة كانت سارة في صحبة إبراهيم واعتراهما أمر الملك، والمهاجر، النازع عن الأمر وهو في عرف الشريعة من ترك وطنه رغبة في رضى اللّه تعالى، وقد ذهب بهذا الاسم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل الفتح، وقوله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ مع الهجرة إليه، صفتان بليغتان يقتضي استحقاق التوكل عليه، وفي قوله إِلى رَبِّي، حذف مضاف كأنه يقول إلى رضى ربي أو نحو هذا، وإِسْحاقَ بن إبراهيم هو الذي بشر به في شيخه، وبشر ب يَعْقُوبَ من ورائه فهو ولد إسحاق، وَالْكِتابَ اسم الجنس أي جعل اللّه تعالى في ذرية إبراهيم جميع الكتب المنزلة التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وعيسى عليه السلام من ذريته، وقوله أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا، يريد في حياته وبحيث أدرك ذلك وسر به، والأجر الذي آتاه اللّه هو العافية من النار ومن الملك الجائر والعمل الصالح والثناء الحسن قاله مجاهد، وأن كل أمة تتولاه، قاله ابن جريج، والولد الذي قرت به العين بحسب طاعة اللّه، قاله الحسن ثم أخبر عنه أنه في الآخرة في عداد الصالحين الذين نالوا رضى اللّه وفازوا برحمته وكرامته العليا، وقوله تعالى وَلُوطاً نصب بفعل مضمر تقديره واذكر لوطا، والْفاحِشَةَ إتيان الرجال في الأدبار وهي معصية ابتدعها قوم لوط.
قوله عز وجل :
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١)
تقدم القول في القرآن في أَإِنَّكُمْ، واختلف الناس في قطع السبيل المشار إليه هاهنا، فقالت فرقة :