المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٢٢
إلى العلم، فإنه لو كان ممن يقرأ لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ وكان لهم في ارتيابهم متعلق، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده، وقال مجاهد : كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا لا يخط ولا يقرأ كتابا فنزلت هذه الآية، وذكر النقاش في تفسير هذه الآية عن الشعبي أنه قال : ما مات النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى كتب وأسند أيضا حديثا إلى أبي كبشة السلولي مضمنه أنه عليه السلام قرأ صحيفة لعيينة بن حصن وأخبر بمعناها.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا كله ضعيف، وقول الباجي رحمه اللّه منه، وقوله تعالى : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ إضراب عن مقدر من الكلام يقتضيه ما تقدم كأنه قال : ليس الأمر كما حسبوا بَلْ هُوَ وهذا الضمير يحتمل أن يعود على القرآن، ويؤيده أن في قراءة ابن مسعود «بل هي آيات»، ويحتمل أن يعود على محمد صلى اللّه عليه وسلم ويؤيده أن قتادة قرأ «بل هو آية بينة» على الإفراد، وقال : المراد النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويحتمل أن يعود على أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم في أنه لم يتل ولا خط، وبكل احتمال قالت فرقة، وكون هذا كله آياتٌ أي علامات فِي صُدُورِ العلماء من المؤمنين بمحمد، يراد به مع النظر والاعتبار. والظَّالِمُونَ والْمُبْطِلُونَ، قيل يعم لفظهما كل مكذب بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ولكن عظم الإشارة بهما إلى قريش لأنهم الأهم، قاله مجاهد، وقال قتادة : الْمُبْطِلُونَ اليهود.
قوله عز وجل :
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢)
الضمير في قالُوا لقريش ولبعض اليهود، لأنهم كانوا يعلمون قريشا مثل هذه الحجة يقولون : لم لا يأتيكم بمثل ما جاء به موسى من العصا وغيرها، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وعلي بن نضر عن أبي عمرو «آية من ربه»، وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص عن عاصم «آيات من ربه»، فأمر اللّه تعالى نبيه أن يعلم أن هذا الأمر بيد اللّه عز وجل ولا يستنزله الاقتراح ولا التمني وأنه بعث نذيرا ولم يؤمر بغير ذلك، وفي مصحف أبي بن كعب «قالوا لو ما يأتينا بآيات من ربه قل إنما الآيات»، ثم احتج عليهم في طلبهم آية بأمر القرآن الذي هو أعظم الآيات ومعجز للجن والإنس فقال : أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ، ثم قرر ما فيه من «الرحمة والذكرى» للمؤمنين، فقوله أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ، جواب لمن قال لَوْلا أُنْزِلَ، وحكى الطبري أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من المؤمنين كتبوا عن اليهود بطائق أخبروهم بشيء من التوراة فكتبوه، فأنكر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال «كفى بها ضلالة قوم أن رغبوا عما آتاهم به نبيهم إلى ما أتى به غيره»، ونزلت الآية بسببه.


الصفحة التالية
Icon