المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٤٨
وقوله تعالى : أَنِ اشْكُرْ يجوز أن تكون أَنِ في موضع نصب على إسقاط حرف الجر أي «بأن اشكر للّه»، ويجوز أن تكون مفسرة أي كانت حكمته دائرة على الشكر للّه ومعانيه وجميع العبادات والمعتقدات داخلة في شكر اللّه تعالى، ثم أخبر تعالى أن الشاكر حظه عائد عليه وهو المنتفع بذلك، واللَّهَ تعالى غَنِيٌّ عن الشكر فلا ينفعه شكر العباد حَمِيدٌ في نفسه فلا يضره كفر الكافرين وحَمِيدٌ بمعنى محمود أي هو مستحق ذلك بذاته وصفاته، وقوله وَإِذْ قالَ يحتمل أن يكون التقدير واذكر إذ قال، ويحتمل أن يكون التقدير «و آتيناه الحكمة إذ قال» واختصر ذلك لدلالة المتقدم عليه واسم ابنه ثاران، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «يا بنيّ» بالشد والكسر في الياء في الثلاثة على إدغام إحدى الياءين في الأخرى، وقرأ حفص والمفضل عن عاصم «يا بنيّ» بالشد والفتح في الثلاثة على قولك يا بنيا ويا غلاما، وقرأ ابن أبي برة عن ابن كثير «يا بني» بسكون الياء، ويا بُنَيَّ إِنَّها [لقمان : ١٦] بالكسر، ويا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ [لقمان : ١٧] بفتح الياء، وروى عنه قنبل بالسكون في الأولى والثالثة وبكسر الوسطى وظاهر قوله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أنه من كلام لقمان، ويحتمل أن يكون خبرا من اللّه تعالى منقطعا من كلام لقمان متصلا به في تأكيد المعنى، ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الانعام : ٨٢] أشفق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم، فأنزل اللّه تعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فسكن إشفاقهم.
قال الفقيه الإمام القاضي : وإنما يسكن إشفاقهم بأن يكون ذلك خبرا من اللّه تعالى، وقد يسكن الإشفاق بأن يذكر اللّه ذلك عن عبد قد وصفه بالحكمة والسداد.
قوله عز وجل :
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١٤ الى ١٥]
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)
هاتان الآيتان اعتراض أثناء وصية لقمان، ووجه الطبري ذلك بأنها من معنى كلام لقمان ومما قصده، وذلك غير متوجه لأن كون الآيتين في شأن سعد بن أبي وقاص حسب ما أذكره بعد يضعّف أن تكون مما قالها لقمان، وإنما الذي يشبه أنه اعتراض أثناء الموعظة وليس ذلك بمفسد للأول منها ولا للآخر، بل لما فرغ من هاتين الآيتين عاد إلى الموعظة على تقدير إضمار وقال أيضا لقمان ثم اختصر ذلك لدلالة المتقدم عليه، وهذه الآية شرك اللّه تعالى الأم والوالد منها في رتبة الوصية بهما، ثم خصص الأم بدرجة ذكر الحمل ودرجة ذكر الرضاع فتحصل للأم ثلاث مراتب وللأب واحدة، وأشبه ذلك قول الرسول صلى اللّه عليه وسلم حين قال له رجل من أبر؟ «قال : أمك. قال ثم من؟ قال : ثم أمك. قال ثم من؟ قال : ثم أمك. قال ثم من؟ قال ثم أباك» فجعل له الربع من المبرة كالآية. وَهْناً عَلى وَهْنٍ معناه ضعفا على ضعف، وقيل إشارة إلى مشقة الحمل ومشقة الولادة بعده، وقيل إشارة إلى ضعف الولد وضعف الأم معه، ويحتمل أن