المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٥٢
جهير الكلام جهير العطاس جهير الرواء جهير النعم
ويعدو على الأين عدو الظليم ويعلو الرجال بخلق عمم
فنهى اللّه تعالى عن هذه الخلق الجاهلية، وقوله لَصَوْتُ الْحَمِيرِ أراد ب «الصوت» اسم الجنس، ولذلك جاء مفردا، وقرأ ابن أبي عبلة «أنكر الأصوات أصوات الحمير» بالجمع في الثاني دون لام، والغض رد طمحان الشيء كالنظر وزمام الناقة والصوت وغير ذلك.
قوله عز وجل :
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١)
هذه آية تنبيه على الصنعة الدالة على الصانع، وذلك أن تسخير هذه الأمور العظام كالشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح والحيوان والنبات إنما هو بمسخر ومالك، وقرأ يحيى بن عمارة وابن عباس «و أصبغ» بالصاد على بدلها من السين لأن حروف الاستعلاء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صادا، والجمهور قراءتهم بالسين، وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم والحسن والأعرج وأبو جعفر وابن نصاح وغيرهم «نعمه» جمع نعمة كسدرة وسدر بفتح الدال، و«الظاهرة» هي الصحة وحسن الخلقة والمال وغير ذلك، و«الباطنة» المعتقدات من الإيمان ونحوه والعقل.
قال ابن عباس «الظاهرة» الإسلام وحسن الخلقة، و«الباطنة» ما يستر من سيىء العمل، وفي الحديث قيل يا رسول اللّه قد عرفنا الظاهرة فما الباطنة؟ قال : ستر ما لو رآك الناس عليه لقتلوك.
قال الفقيه الإمام القاضي : ومن «الباطنة» التنفس والهضم والتغذي وما لا يحصى كثرة، ومن «الظاهرة» عمل الجوارح بالطاعة. قال المحاسبي رحمه اللّه «الظاهرة» تعم الدنيا و«الباطنة» تعم العقبى، وقرأ جمهور الناس «نعمة» على الإفراد، فقال مجاهد المراد لا إله إلا اللّه، وقال ابن عباس أراد الإسلام، والظاهر عندي أنه اسم جنس كقوله تعالى : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم : ٣٤، النحل : ١٨]، ثم عارض بالكفرة منها على فساد حالهم وهم المشار إليهم بقوله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ، وقال النقاش : الإشارة إلى النضر بن الحارث ونظرائه لأنهم كانوا ينكرون اللّه ويشركون الأصنام في الألوهية، فذلك جدالهم، وبِغَيْرِ عِلْمٍ أي لم يعلمهم من يقبل قوله ولا عندهم هدى قلب ولا نور بصيرة يقيمون بها حجة ولا يتبعون بذلك كتابا بأمر اللّه يقر بأنه وحي، بل ذلك دعوى منهم وتخرص، وإذا دعوا إلى اتباع وحي اللّه رجعوا إلى التقليد المحض بغير حجة فسلكوا طريق الآباء، ثم وقف اللّه تعالى وهم المراد بالتوفيق على اتباعهم دين آبائهم أيكون وهم بحال من يصير إِلى عَذابِ السَّعِيرِ فكان القائل منهم يقول هم يتبعون دين آبائهم ولو كان مصيرهم إلى السعير فدخلت ألف التوقيف على حرف العطف كما كان اتساق الكلام فتأمله.