المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٥٤
مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا
[الإسراء : ٨٥] ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام اللّه تعالى وأحكامه وعندك أنها تبيان كل شيء، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «التوراة قليل من كثير» ونزلت هذه الآية، وهذا هو القول الصحيح، والآية مدنية وقال قوم : سبب الآية أن قريشا قالت سيتم هذا الكلام لمحمد وينجسر فنزلت هذه الآية، وقال السدي : قالت قريش ما أكثر كلام محمد فنزلت.
قال الفقيه الإمام القاضي : والغرض منها الإعلام بكثرة كلمات اللّه تعالى وهي في نفسها غير متناهية وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى، لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة، وأيضا فإن الآية إنما تضمنت أن كَلِماتُ اللَّهِ لم تكن لتنفد، وليس تقتضي الآية أنها تنفد بأكثر من هذه «الأقلام» والبحور، قال أبو علي : المراد ب «الكلمات» واللّه أعلم ما في المقدور دون ما أخرج منه إلى الوجود، وذهبت فرقة إلى أن «الكلمات» هنا إشارة إلى المعلومات.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول ينحو إلى الاعتزال من حيث يرون في الكلام أنه مخلوق وهذه الآية بحر نظر، نور اللّه تعالى قلوبنا بهداه، وقرأ أبو عمرو وحده من السبعة وابن أبي إسحاق وعيسى «و البحر» بالنصب عطفا على «ما» التي هي اسم «أن»، وقرأ جمهور الناس و«البحر» بالرفع على أنه ابتداء وخبره في الجملة التي بعده لأن تقديرها هذه، حاله كذا، قدرها سيبويه وقال بعض النحويين هو عطف على «أن» لأنها في موضع رفع بالابتداء، وقرأ جمهور الناس «يمده» من مد وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يمده» من أمد، وقالت فرقة هما بمعنى واحد، وقالت فرقة مد الشيء بعضه بعضا وأمد الشيء ما ليس منه، فكأن «الأبحر السبعة» المتوهمة ليست من الْبَحْرُ الموجود، وقرأ جعفر بن محمد «و البحر مداده» وهو مصدر، وقرأ ابن مسعود «و بحر يمده»، وقرأ الحسن «ما نفد كلام اللّه»، ثم ذكر تعالى أمر الخلق والبعث أنه في الجميع وفي شخص واحد بالسواء لأنه كله بكن فيكون قاله مجاهد.
وحكى النقاش أن هذه الآية في أبي بن خلف وأبي الأسود ونبيه ومنبه ابني الحجاج وذلك أنهم قالوا يا محمد إنا نرى الطفل يخلق بتدرج وأنت تقول اللّه يعيدنا دفعة واحدة فنزلت الآية بسببهم.
قوله عز وجل :
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)
هذا تنبيه خوطب به محمد صلى اللّه عليه وسلم والمراد به جميع العالم، وهذه عبرة تدل على الخالق المخترع أن يكون الليل بتدرج والنهار كذلك فما قصر من أحدهما زاد في الآخر ثم بالعكس ينقسم بحكمة بارئ العالم لا رب غيره، ويُولِجُ معناه يدخل، و«الأجل المسمى» القيامة التي تنتقض فيها هذه البنية وتكور الشمس، وقرأ جمهور القراء «بما تعملون» بالتاء من فوق، وقرأ عباس عن أبي عمرو «يعملون» بالياء، وقوله تعالى : ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الإشارة ب ذلِكَ إلى هذه العبرة وما جرى