المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٦٣
أن سخنة العين مأخوذة من السخانة، وأصل هذا فيما يزعمون أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن، وفي معنى هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال اللّه عز وجل :«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. واقرؤوا إن شئتم : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.
وقال ابن مسعود :«في التوراة مكتوب على اللّه للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»
. وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة وأبو الدرداء، «قرات» على الجمع، وقوله جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي بتكسبهم، وقوله تعالى : أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً الآية، روي عن عطاء بن يسار أنها نزلت في علي بن أبي طالب : والوليد بن عقبة بن أبي معيط وذلك أنهما تلاحيا فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة، فقال له علي بن أبي طالب : اسكت فإنك فاسق، فنزلت الآية.
وذكر الزجاج والنحاس وغيرهما أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط، وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية، لأن عقبة لم يكن بالمدينة وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بدر، ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان فيه أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن حتى نزلت فيه إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ [الحجرات : ٦] ويحتمل أيضا أن تطلق الشريعة ذلك عليه لأنه كان على طرف مما يبغي وهو الذي شرب الخمر في خلافة عثمان وصلى الصبح بالناس أربعا ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم ونحو هذا مما يطول ذكره. ثم قسم اللّه تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر لأن التكذيب الذي في آخر الآية يقتضي ذلك، وقرأ طلحة «جنة» بالإفراد، وقرأ أبو حيوة «نزلا» بإسكان الزاي، والجمهور على ضمها وسائر باقي الآية بين.
قوله عز وجل :
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)
الضمير في قوله لَنُذِيقَنَّهُمْ لكفار قريش، أعلم اللّه تعالى أنه يصيبهم بعذاب دون عذاب الآخرة، واختلف المتأولون في تعيين الْعَذابِ الْأَدْنى، فقال إبراهيم النخعي ومقاتل : هم السنون التي أجاعهم اللّه تعالى فيها، وقال ابن عباس وأبي بن كعب : هو مصائب الدنيا من الأمراض ونحوها وقاله ابن زيد، وقال ابن مسعود والحسن بن علي هو القتل بالسيف كبدر وغيرها.
قال الفقيه الإمام القاضي : فيكون على هذا التأويل الراجع غير الذي يذوق بل الذي يبقى بعده وتختلف رتبتا ضمير الذوق مع ضمير «لعل»، وقال أبيّ بن كعب أيضا هي البطشة، واللزام، والدخان.
وقال ابن عباس أيضا عنى بذلك الحدود.
قال الفقيه الإمام القاضي : ويتجه على هذا التأويل أن تكون في فسقة المؤمنين، وقال مجاهد : عنى


الصفحة التالية
Icon