المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٦٥
به وأصله خيط البناء وجمهور النحويين على «أئمة» بياء وتخفيف الهمزة، إلا ابن أبي إسحاق فإنه جوز اجتماع الهمزتين وقرأ «أئمة»، وقرأ جمهور القراء «لمّا صبروا» بفتح اللام وشد الميم، وقرأ حمزة والكسائي «لما» بكسر اللام وتخفيف الميم وهي قراءة ابن مسعود وطلحة والأعمش، فالأولى في معنى الظرف والثانية كأنه قال لأجل صبرهم، ف «ما» مصدرية، وفي القراءتين معنى المجازاة أي جعلهم أئمة جزاء على صبرهم عن الدنيا وكونهم موقنين بآيات اللّه وأوامره وجميع ما تورده الشريعة، وقرأ ابن مسعود «بما صبروا». وقوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ الآية، حكم يعم جميع الخلق، وذهب بعض المتأولين إلى تخصيص الضمير وذلك ضعيف.
قوله عز وجل :
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)
يَهْدِ معناه يبين قاله ابن عباس، وقرأ جمهور الناس «يهد» بالياء فالفاعل اللّه تعالى في قول فرقة، والرسول في قول فرقة، كأنه قال «أو لم يبين لهم الهدى»، وجوز الكوفيون أن يكون الفاعل كَمْ، ولا يجوز ذلك عند البصريين لأنها في الخبر على حكمها في الاستفهام في أنها لا يعمل فيها ما قبلها، وقرأ أبو عبد الرحمن «نهد» بالنون وهي قراءة الحسن وقتادة، فالفاعل اللّه تعالى، وكَمْ في موضع نصب، فعند الكوفيين ب «نهد» وعند البصريين ب أَهْلَكْنا، على القراءتين جميعا، وقرأ جمهور الناس «يمشون» بفتح الياء وتخفيف الشين، وقرأ ابن السميفع اليماني «يمشّون» بضم الياء وفتح الميم وشد الشين، وقرأ عيسى بن عمر «يمشون» بضم الياء وسكون الميم وشين مضمومة مخففة، والضمير في يَمْشُونَ يحتمل أن يكون للمخاطبين بالتنبيه المحتج عليهم، ويحتمل أن يكون للمهلكين، ف يَمْشُونَ في موضع الحال، أي أهلكوا وهم ماشون في مساكنهم، والضمير في يَسْمَعُونَ للمنبهين، ومعنى هذه الآية إقامة الحجة على الكفرة بالأمم السالفة الذين كفروا فأهلكوا، ثم أقام عز وجل الحجة عليهم في معنى الإيمان بالقدرة وبالبعث بأن نبههم على إحياء الأرض الموات بالماء والنبات، و«السوق» هو بالسحاب، وإن كان سوق بنهر فأصله من السحاب والْجُرُزِ الأرض العاطشة التي قد أكلت نباتها من العطش والغيظ، ومنه قيل للأكول جروز. قالة الشاعر :
خب جروز وإذا جاع بكى ومن عبر عنها بأنها الأرض التي لا تنبت فإنها عبارة غير مخلصة، وعم تعالى كل أرض هي بهذه


الصفحة التالية
Icon