المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٧
قرأ «طاوي». وقوله لِتَشْقى قالت فرقة : معناه لتبلغ من نفسك في العبادة والقيام في الصلاة، وقالت فرقة : إنما سبب الآية أن قريش لما نظرت إلى عيش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وشظفه وكثرة عبادته قالت : إن محمدا مع ربه في شقاء فنزلت الآية رادة عليهم، أي إن اللّه لم ينزل القرآن ليجعل محمدا شقيا بل ليجعله أسعد بني آدم بالنعيم المقيم في أعلى المراتب، فالشقاء الذي رأيتم هو نعيم النفس ولا شقاء مع ذلك ع : فهذا التأويل أعم من الأول في لفظة الشقاء، وقوله إِلَّا تَذْكِرَةً يصح أن ينصب على البدل من موضع لِتَشْقى ويصح أن ينصب بفعل مضمر تقديره لكن أنزلناه تذكرة، ويَخْشى يتضمن الإيمان والعمل الصالح إذ الخشية باعثة على ذلك، وقوله تَنْزِيلًا نصب على المصدر، وقوله مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى صفة أقامها مقام الموصوف، وأفاد ذلك العبرة والتذكرة وتحقير الأوثان وبعث النفوس على النظر، والْعُلى جمع عليا فعلى. وقوله الرَّحْمنُ رفع بالابتداء ويصح أن يكون بدلا من الضمير المستقر في خَلَقَ. وقوله اسْتَوى قالت فرقة : هو بمعنى استولى، وقال أبو المعالي وغيره من المتكلمين : هو بمعنى استواء القهر والغلبة، وقال سفيان الثوري : فعل فعلا في العرش سماه استواء وقال الشعبي وجماعة غيره : هذا من متشابه القرآن يؤمن به ولا يعرض لمعناه، وقال مالك بن أنس لرجل سأله عن هذا الاستواء فقال له مالك : الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عن هذا بدعة وأظنك رجل سوء أخرجوه عني، فأدبر السائل وهو يقول يا أبا عبد اللّه لقد سألت عنها أهل العراق وأهل الشام فما وفق أحد توفيقك.
قال القاضي أبو محمد : وضعف أبو المعالي قول من قال لا يتكلم في تفسيرها بأن قال إن كل مؤمن يجمع على أن لفظة الاستواء ليست على عرفها في معهود الكلام العربي، فإذا فعل هذا فقد فسر ضرورة ولا فائدة في تأخره عن طلب الوجه والمخرج البين، بل في ذلك البأس على الناس وإيهام للعوام، وقد تقدم القول في مسألة الاستواء. وقوله لَهُ ما فِي السَّماواتِ الآية تماد في الصفة المذكورة المنبهة على الخالق المنعم، وفي قوله ما تَحْتَ الثَّرى قصص في أمر الحوت ونحوه اختصرته لعدم صحته، والآية مضمنة أن كل موجود محدث فهو للّه بالملك والاختراع ولا قديم سواه تعالى. والثَّرى التراب الندي، وقوله وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ معناه وإن كنتم أيها الناس إذا أردتم إعلام أحد بأمر أو مخاطبة أوثانكم وغيرها فأنتم تجهرون بالقول فإن اللّه الذي هذه صفاته يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى فالمخاطبة ب تَجْهَرْ لمحمد عليه السلام وهي مراد بها جميع الناس إذ هي آية اعتبار، واختلف الناس في ترتيب السِّرَّ وما هو أَخْفى منه، فقالت فرقة السِّرَّ هو الكلام الخفي الخافت كقراءة السر في الصلاة، و«الأخفى» هو ما في النفس، وقالت فرقة هو ما في النفس متحصلا، و«الأخفى» هو ما سيكون فيها في المستأنف، وقالت فرقة السِّرَّ هو ما في نفوس البشر وكل ما يمكن أن يكون فيها في المستأنف بحسب الممكنات من معلومات البشر، و«الأخفى» هو ما من معلومات اللّه لا يمكن أن يعلمه البشر البتة ع : فهذا كله معلوم للّه عز وجل.
وقد تؤول على بعض السلف أنه جعل وَأَخْفى فعلا ماضيا وهذا ضعيف، والْأَسْماءُ الْحُسْنى يريد بها التسميات التي تضمنتها المعاني التي هي في غاية الحسن ووحد الصفة مع جمع الموصوف لما كانت التسميات لا تعقل، وهذا جار مجرى مَآرِبُ أُخْرى [طه : ١٨] ويا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ : ١٠]


الصفحة التالية
Icon