المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٧٣
وأمن روعاتنا»، فقالوها فضرب اللّه تعالى وجوه الكفار بالريح فهزمهم، وقوله وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أي تكادون تضطربون وتقولون ما هذا الخلف للموعد، وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين لا يمكن للبشر دفعها وأما المنافقون فجلحوا ونطقوا، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة والأعمش وطلحة «الظنونا» بالألف في الوصل والوقف، وذلك اتباع لخط المصحف، وعلته تعديل رؤوس الآي وطرد هذه العلة أن يلازم الوقف، وقد روي عن أبي عمرو أنه كان لا يصل، فكان لا يوافق خط المصحف وقياس الفواصل، وقرأ أبو عمرو أيضا وحمزة في الوصل والوقف «الظنون» بغير ألف وهذا هو الأصل، وقرأ ابن كثير والكسائي وعاصم وأبو عمرو بالألف في الوقف وبحذفها في الوصل، وعللوا الوقف بتساوي رؤوس الآي على نحو فعل العرب في القوافي من الزيادة والنقص.
وقوله تعالى : هُنالِكَ ظرف زمان، والعامل فيه ابْتُلِيَ، ومن قال إن العامل فيه وَتَظُنُّونَ فليس قوله بالقوي لأن البدأة ليست متمكنة، وابْتُلِيَ معناه اختبر وامتحن الصابر منهم من الجازع، وَزُلْزِلُوا معناه حركوا بعنف، وقرأ الجمهور «زلزالا» بكسر الزاي، وقرأها «زلزالا» بالفتح الجحدري، وكذلك زِلْزالَها في إِذا زُلْزِلَتِ [الزلزلة : ١] وهذا الفعل هو مضاعف زل أي زلزلة غيره، ثم ذكر اللّه تعالى قول المنافقين والمرضى القلوب ونبه عليهم على جهة الذم لهم، وروي عن يزيد بن رومان أن معتب بن قشير قال : يعدنا محمد أن نفتتح كنوز كسرى وقيصر ومكة ونحن الآن لا يقدر أحدنا أن يذهب إلى الغائط ما يعدنا إِلَّا غُرُوراً، أي أمرا يغرنا ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به، وقال غيره من المنافقين نحو هذا فنزلت الآية فيهم، وقولهم اللَّهُ وَرَسُولُهُ إنما هو على جهة الهزء كأنهم يقولون على زعم هذا الذي يدعي، أنه رسول يدل على هذا أن من المحال أن يكون اعتقادهم أن ذلك الوعد هو من اللّه تعالى ومن رسوله ثم يصفونه بالغرور بل معناه على زعم هذا.
قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٣ الى ١٥]
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (١٥)
هذه المقالة روي أن بني حارثة قالوها، ويَثْرِبَ قطر محدود، المدينة في طرف منه، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وحفص عن عاصم ومحمد اليماني والأعرج «لا مقام لكم» بضم الميم، والمعنى لا موضع إقامة، وقرأ الباقون «لا مقام» بفتح الميم بمعنى لا موضع قيام، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة وأبي رجاء والحسن وقتادة والنخعي وعبد اللّه بن مسلم وطلحة، والمعنى في حومة القتال وموضع الممانعة.
فَارْجِعُوا معناه إلى منازلكم وبيوتكم وكان هذا على جهة التخذيل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والفريق المستأذن روي أن أوس بن قيظي استأذن في ذلك عن اتفاق من عشيرته فقال إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ


الصفحة التالية
Icon