المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٧٩
قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧)
عدد اللّه تعالى في هذه الآية نعمه على المؤمنين في هزم الأحزاب وأن اللّه تعالى ردهم بِغَيْظِهِمْ لم يشفوا منه شيئا ولا نالوا مرادا، وَكَفَى كل من كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقاتل الأحزاب، وروي أن المراد ب الْمُؤْمِنِينَ هنا علي بن أبي طالب وقوم معه عنوا للقتال وبرزوا ودعوا إليه وقتل علي رجلا من المشركين اسمه عمرو بن عبد ود، فكفاهم اللّه تعالى مداومة ذلك وعودته بأن هزم الأحزاب بالريح والملائكة وصنع ذلك بقوته وعزته.
قال أبو سعيد الخدري : حبسنا يوم الخندق فلم نصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء حتى كان بعد هوى من الليل كفينا وأنزل اللّه تعالى، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلالا فأقام وصلى الظهر فأحسنها ثم كذلك حتى صلى كل صلاة بإقامة.
وقوله تعالى : وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ يريد بني قريظة بإجماع من المفسرين، قال الرماني وقال الحسن الذين أنزلوا مِنْ صَياصِيهِمْ بنو النضير، وقال الناس : هم بنو قريظة، وذلك أنهم لما غدروا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وظاهروا الأحزاب عليه أراد اللّه تعالى النقمة منهم، فلما ذهب الأحزاب جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقت الظهر فقال : يا محمد إن اللّه تعالى يأمرك بالخروج إلى بني قريظة، فنادى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الناس وقال لهم :«لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، فخرج الناس إليها ووصلها قوم من الصحابة بعد العشاء وهم لم يصلوا العصر وقوفا مع لفظ النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يخطئهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك، وصلى قوم في الطريق ورأوا أن قول النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما خرج مخرج التأكيد فلم يخطئهم أيضا، وحاصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بني قريظة خمسا وعشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسي، وكان بينهم وبين الأوس حلف فرجوا حنوه عليهم، فحكم فيهم سعد بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية والعيال والأموال، وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار، فقالت له الأنصار في ذلك، فقال : أردت أن تكون لهم أموال، كما لكم أموال فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برجالهم فأخرجوا أرسالا وضرب أعناقهم وهم من الثمانمائة إلى التسعمائة، وسيق فيهم حيي بن أخطب النضري وهو الذي كان أدخلهم في الغدر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما ذهب الأحزاب دخل عندهم وفاء لهم، فأخذه الحصر حتى نزل فيمن نزل على حكم سعد، فلما نزل وعليه حلتان فقاحيتان ويداه مجموعة إلى عنقه أبصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال له : واللّه يا محمد أما