المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٨٨
نحوه. أو على الإغراء كأنه قال فعليه سنة اللّه، والَّذِينَ خَلَوْا هم الأنبياء بدليل وصفهم بعد بقوله الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ، وأَمْرُ اللَّهِ في الآية أي مأمورات اللّه والكائنات عن أمره فهي مقدورة، وقوله قَدَراً فيه حذف مضاف، أي ذا قدر، وقرأ ابن مسعود «الذين بلغوا رسالات اللّه، وقوله وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ تعريض بالعتاب الأول في خشية النبي عليه السلام الناس، ثم رد الأمر كله إلى اللّه وأنه المحاسب على جميع الأعمال والمعتقدات وَكَفى به لا إله إلا هو، ويحتمل أن يكون حَسِيباً بمعنى محسب أي كافيا، وقوله تعالى : ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ إلى قوله تعالى : كَرِيماً أذهب اللّه تعالى في هذه الآية ما وقع في نفوس منافقين وغيرهم من نقد تزويج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زينب زوجة دعيه زيد بن حارثة لأنهم كانوا استعظموا أن تزوج زوجة ابنه، فنفى القرآن تلك البنوة وأعلم أن محمدا لم يكن في حقيقة أمره أبا أحد من رجال المعاصرين له، ولم يقصد بهذه الآية أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج بأمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين ومن احتج بذلك فإنه تأول نفي البنوة عنه بهذه الآية على غير ما قصد بها، وقرأ ابن أبي عبلة وبعض الناس «و لكن رسول اللّه» بالرفع على معنى هو رسول اللّه، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والأعرج وعيسى «رسول اللّه» بالنصب على العطف على أَبا، وهؤلاء قرؤوا «و لكن» بالتخفيف، وقرأت فرقة «و لكنّ» بشد النون ونصب «رسول» على أنه اسم «لكنّ» والخبر محذوف، وقرأ عاصم وحده والحسن والشعبي والأعرج بخلاف «و خاتم» بفتح التاء بمعنى أنهم به ختموا فهو كالخاتم والطابع لهم، وقرأ الباقون والجمهور «خاتم» بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم، وروت عائشة أنه
عليه السلام قال :«أنا خاتم الأنبياء» بفتح التاء، وروي عنه عليه السلام أنه قال :«أنا خاتم ألف نبي»، وهذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية نصا أنه لا نبي بعده صلى اللّه عليه وسلم، وما ذكره القاضي ابن الطيب في كتابه المسمى بالهداية من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف، وما ذكره الغزالي في هذه الآية وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد إلحاد عندي وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى اللّه عليه وسلم النبوءة، فالحذر الحذر منه واللّه الهادي برحمته، وقرأ ابن مسعود «من رجالكم ولكن نبينا ختم النبيين»، قال الرماني ختم به عليه السلام الاستصلاح فمن لم يصلح به فميئوس من صلاحه، وقوله تعالى : وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً والمقصد به هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح بمحمد وبما قدره في الأمر كله، ثم أمر تعالى عباده بأن يذكروه ذِكْراً كَثِيراً، وجعل تعالى ذلك دون حد ولا تقدير لسهولته على العبد ولعظم الأجر فيه، قال ابن عباس لم يعذر أحد في ترك ذكر اللّه إلا من غلب على عقله، وقال الكثير أن لا تنساه أبدا، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «أكثروا ذكر اللّه حتى يقولوا مجنون»، وقوله تعالى : وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أراد في كل الأوقات مجدد الزمان بطرفي نهاره وليله، وقال قتادة والطبري وغيره الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذه الآية مدنية فلا تعلق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أولا صلاتين في طرفي النهار، والرواية بذلك ضعيفة، والأصيل من العصر إلى الليل، ثم عدد تعالى على عباده