المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٩١
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٠]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠)
قرأ الجمهور «اللاتي» بالتاء من فوق، وقرأ الأعمش «اللايي» بياءين من تحت، وذهب ابن زيد والضحاك في تفسير قوله إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ إلى أن المعنى أن اللّه تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها وأباح له تعالى كل النساء بهذا الوجه وأباح له ملك اليمين وبنات العم والعمة والخال والخالة ممن هاجر معه، وخصص هؤلاء بالذكر تشريفا وتنبيها منهن إذ قد تناولهن على تأويل ابن زيد قوله تعالى : أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ، وأباح له الواهبات خاصة له فهو على تأويل ابن زيد إباحة مطلقة في جميع النساء حاشى ذوات المحارم، لا سيما على ما ذكر الضحاك أن في مصحف ابن مسعود «و بنات خالاتك واللاتي هاجرن معك»، ثم قال بعد هذه تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب : ٥١] أي من هذه الأصناف كلها، ثم تجري الضمائر بعد ذلك على العموم إلى قوله تعالى :
وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ [الأحزاب : ٥٢] فيجيء هذا الضمير مقطوعا من الأول عائدا على أزواجه التسع فقط على الخلاف في ذلك، وتأول غير ابن زيد قوله أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ أن الإشارة إلى عائشة وحفصة ومن في عصمته ممن تزوجها بمهر، وأن ملك اليمين بعد حلال له، وأن اللّه تعالى أباح له مع المذكورات بنات عمه وعماته وخاله وخالاته ممن هاجر معه والواهبات خاصة له، فيجيء الأمر على هذا التأويل أضيق على النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتزوج في أي الناس شاء وكان ذلك يشق على نسائه، فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمى سر نساؤه بذلك.
قال الفقيه الإمام القاضي : لأن ملك اليمين إنما يفعله في النادر من الأمر وبنات العم والعمات والخال والخالات يسير، ومن يمكن أن يتزوج منهن محصور عند نسائه، لا سيما وقد قيد ذلك شرط الهجرة معه والواهبة أيضا من النساء قليل، فلذلك سر أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم بانحصار الأمر، ثم يجيء قوله تعالى : تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب : ٥١] إشارة إلى من تقدم ذكره، ثم يجيء قوله وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [الأحزاب : ٥٢] إشارة إلى أزواجه اللاتي تقدم النص عليهن بالتحليل فيأتي الكلام متسقا مطردا أكثر من اطراده على التأويل الأول، و«الأجور» المهور، وقوله مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ أي رده إليك في الغنائم، يريد وعلى أمتك لأنه فيء عليه، و«ملك اليمين» أصله الفيء من الغنائم أو ما تناسل ممن سبي والشراء من الحربيين كالسباء، ومباح السباءة هو من الحربيين، ولا يجوز سبي من له عهد ولا تملكه، ويسمى سبي الخبثة، وقوله تعالى : وَبَناتِ عَمِّكَ الآية، يريد قرابته، وروي عن أم هاني بنت أبي طالب أنها قالت : خطبني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم نزلت هذه الآية فحرمني عليه لأني لم أهاجر معه وإنما كنت من الطلقاء، وقرأ جمهور الناس «إن وهبت» بكسر الألف وهذا يقتضي استئناف الأمور، إن وقع فهو حلال له، على أنه قد روي عن ابن عباس أنه قال لم تكن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين.