المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٩٤
عليه السلام عدل بينهن في القسمة حتى مات ولم يمتثل ما أبيح له ضبطا لنفسه وأخذا بالفضل، غير أن سودة وهبت نوبتها لعائشة تقمنا لمسرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقوله تعالى : لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قيل كما قدمنا إنها خطرت عليه النساء إلا التسع اللواتي كنّ عنده، فكأن الآية ليست متصلة بما قبلها، قال ابن عباس وقتادة لما هجرهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شهرا، وآلى منهن ثم خرج وخيرهن فاخترن اللّه ورسوله، جازاهن اللّه بأن حظر عليه النساء غيرهن وقنعه بهن وحظر عليه تبديلهن، ونسخ بذلك ما أباحه له قبل من التوسعة في جميع النساء، وقال أبيّ بن كعب وعكرمة قوله لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أي من بعد الأصناف التي سميت، ومن قال إن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا تأويل فيه بعد، وإن كان روي عن مجاهد، وكذلك روي أن تبدل اليهوديات والنصرانيات بالمسلمات، وهذا قول أبي رزين وسعيد بن جبير، وقال أبيّ بن كعب مِنْ بَعْدُ يعني لا يحل لك العمات والخالات ونحو ذلك، وأمر مع ذلك بأن لا يتبدل بأزواجه التسع منه من أن يطلق منهن ويتزوج غيرهن قاله الضحاك، وقيل بمن تزوج وحصل في عصمته أي لا يبدلها بأن يأخذ زوجة إنسان ويعطيه هو زوجته قال ابن زيد وهذا شيء كانت العرب تفعله.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول ضعيف أنكره الطبري وغيره في معنى الآية، وما فعلت العرب قط هذا، وما روي من حديث عيينة بن حصن أنه دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعنده عائشة فقال من هذه الحميراء؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هذه عائشة، فقال عيينة : يا رسول اللّه إن شئت نزلت لك عن سيدة العرب جمالا ونسبا فليس بتبديل ولا أراد ذلك وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول، وقرأ أبو عمرو بخلاف «لا تحل» بالتاء على معنى جماعة النساء، وقرأ الباقون «لا يحل» بالياء من تحت على معنى جميع النساء وهما حسنان لأن تأنيث لفظ النساء ليس بحقيقي، وقوله تعالى : وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ، قال ابن عباس نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس أعجبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين مات عنها جعفر بن أبي طالب وفي هذه اللفظة أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها، وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما» وقال عليه السلام لآخر :«انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا»، قال الحميدي يعني «صغرا»، وقال سهل بن أبي حثمة رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك على أجار من أجاجير المدينة فقلت له أتفعل هذا؟ فقال نعم، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«إذا ألقى اللّه في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها»، وقوله تعالى : إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ما في موضع رفع بدل من النِّساءُ، ويجوز أن تكون في موضع نصب على الاستثناء، وفي النصب ضعف، ويجوز أن تكون ما مصدرية والتقدير إلا ملك يمينك وملك بمعنى مملوك، وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول، و«الرقيب» فعيل بمعنى فاعل أي راقب.
قوله عز وجل :


الصفحة التالية
Icon