المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٩٩
قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٩]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩)
لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكر فيهن أمر اللّه تعالى رسوله عليه السلام بأمرهن بإدناء الجلابيب، ليقع سترهن ويبين الفرق بين الحرائر والإماء، فيعرف الحرائر بسترهن فكيف عن معارضتهن من كان غزلا أو شابا وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، فنزلت الآية بسبب ذلك، و«الجلباب» ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء واختلف الناس في صورة إدنائه، فقال ابن عباس وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقال ابن عباس أيضا وقتادة وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه، وقوله تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ أي على الجملة بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عرفن لم يقابلن بأذى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية، وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي، وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت قنعها الذرة محافظة على زي الحرائر، وباقي الآية ترجية ولطف وحظ على التوبة وتطميع في رحمة اللّه تعالى، وفيها تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع.
قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٦٠ الى ٦٢]
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٦٢)
اللام في قوله تعالى : لَئِنْ هي المؤذنة بمجيء القسم، واللام في لَنُغْرِيَنَّكَ هي لام القسم، وتوعد اللّه تعالى هذه الأصناف في هذه الآية، وقرن توعده بقرينة متابعتهم وتركهم الانتهاء، فقالت فرقة : إن هذه الأصناف لم تنته ولم ينفذ اللّه تعالى عليها هذا الوعيد، فهذه الآية دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة، وقالت فرقة : إن هذه الأصناف انتهت وتستر جميعهم بأمرهم وكفوا وما بقي من أمرهم أنفذ اللّه تعالى وعيدا بإزائه، وهو مثل نهي النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الصلاة عليهم إلى غير ذلك مما أحله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمنافقين من الإذلال في إخراجهم من المسجد وما نزل فيهم في سورة براءة وغير ذلك، فهم لم يمتثلوا الانتهاء جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملا. والْمُنافِقُونَ صنف يظهر الإيمان ولا يبطنه، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هو الغزل وحب الزنا قاله عكرمة، ومنه قوله تعالى :
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب : ٣٢] والْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ هم قوم من المنافقين كانوا