المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٠٧
مفرد اسم القطعة، وقيل هو جمع كسفة جمعها على حد تمرة وتمر ومشهور جمعها كسف كسدرة وسدر وأدغم الكسائي الفاء في الباء في قوله نَخْسِفْ بِهِمُ قال أبو علي وذلك لا يجوز لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا تدغم فيها وإن كان الباء تدغم في الفاء كقوله اضرب فلانا، وهذا كما تدغم الباء في الميم كقوله «اضرب محمدا» ولا تدغم الميم في الباء كقولك اضمم بكرا، لأن الباء انحطت عن الميم يفقد الغنة التي في الميم، والإشارة بقوله تعالى في ذلك إلى إحاطة السماء بالمرء ومماسة الأرض له على كل حال، و«المنيب» الراجع التائب، ثم ذكر تعالى نعمته على داود وسليمان احتجاجا على ما منح محمدا، أي لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبدنا قديما بكذا وكذا، فلما فرغ التمثيل لمحمد صلى اللّه عليه وسلم رجع التمثيل لهم بسبأ وما كان من هلاكهم بالفكر والعتو، والمعنى قلنا يا جِبالُ، وأَوِّبِي معناه ارجعي معه لأنه مضاعف آب يؤوب، فقال ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم معناه سبحي معه أي يسبح هو وترجع هي معه التسبيح، أي ترده بالذكر ثم ضوعف الفعل للمبالغة، وقيل معناه سيري معه لأن التأويب سير النهار كان الإنسان يسير بالليل ثم يرجع السير بالنهار أي يردده فكأنه يؤوبه، فقيل له التأويب ومنه قول الشاعر :[البسيط]
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
ومنه قول ابن أبي مقبل :[الطويل ]
لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما دفعنا شعاع الشمس والطرف مجنح
وقال مروح أَوِّبِي سبحي بلغة الحبشة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف غير معروف، وقال وهب بن منبه : المعنى نوحي معه والطير تسعدك على ذلك، قال فكان داود إذا نادى بالنياحة والحنين أجابته الجبال وعكفت الطير عليه من فوقه، قال فمن حينئذ سمع صدى الجبال، وقرأ الحسن وقتادة وابن أبي إسحاق «أوبي» بضم الهمزة وسكون الواو أي ارجعي معه أي في السير أو في التسبيح، وأمر الجبال كما تؤمر الواحدة المؤنثة لأن جمع ما لا يعقل كذلك يؤمر وكذلك يكنى عنه ويوصف ومنه المثل «يا خيل اللّه اركبي» ومنه مَآرِبُ أُخْرى [طه : ١٨] وهذا كثير، وقرأ الأعرج وعاصم بخلاف وجماعة من أهل المدينة «و الطير» بالرفع عطفا على لفظ قوله يا جِبالُ، وقرأ نافع وابن كثير والحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر «و الطير» بالنصب فقيل ذلك عطف على فَضْلًا وهو مذهب الكسائي، وقال سيبويه هو على موضع قوله يا جِبالُ لأن موضع المنادى المفرد نصب، وقال أبو عمرو : نصبها بإضمار فعل تقديره وسخرنا الطير، ووَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ معناه جعلناه لينا، وروى قتادة وغيره أن الحديد كان له كالشمع لا يحتاج في عمله إلى نار، وقيل أعطاه قوة يثني بها الحديد، وروي أنه لقي ملكا وداود يظنه إنسانا وداود متنكر خرج ليسأل الناس عن نفسه في خفاء، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل فيه الملك ما قولك في هذا الملك داود؟ فقال له الملك : نعم العبد لو لا خلة فيه، قال داود وما هي؟ قال : يرتزق من بيت المال ولو أكل من عمل يديه لتمت فضائله، فرجع فدعا اللّه تعالى في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه فعلمه تعالى صنعة لبوس وألان له الحديد، فكان فيما روي يصنع ما بين يومه