المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٢٥
وسقطت الياء منه تخفيفا لأنها آخر آية، و«كيف» تعظيم للأمر وليست استفهاما مجردا، وفي هذا تهديد لقريش أي أنّهم معرضون لنكير مثله، ثم أمر تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يدعوهم إلى عبادة اللّه والنظر في حقيقة نبوته هو ويعظهم بأمر مقرب للأفهام فقوله بِواحِدَةٍ معناه بقضية واحدة إيجازا لكم وتقريبا عليكم، وقوله أَنْ مفسرة، ويجوز أن تكون بدلا من «واحدة»، وقوله تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى يحتمل أن يريد بالطاعة والإخلاص والعبادة فتكون الواحدة التي وعظ بها هذه، ثم عطف عليها أن يتفكروا في أمره هل هو به جنة أو هو بريء من ذلك والوقف عند أبي حاتم ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا.
قال الفقيه الإمام القاضي : فيجيء ما بِصاحِبِكُمْ نفيا مستأنفا وهو عند سيبويه جواب ما تنزل منزلة القسم لأن تفكر من الأفعال التي تعطي التحقيق كتبين وتكون الفكرة على هذا في آيات اللّه والإيمان به، ويحتمل أن يريد بقيامهم أن يكون لوجه اللّه في معنى التفكر في محمد صلى اللّه عليه وسلم فتكون الواحدة التي وعظ بها أن يقوموا لمعنى الفكرة - في أمر صاحبهم، وكأن المعنى أن يفكر الواحد بينه وبين نفسه ويتناظر الاثنان على جهة طلب التحقيق، هل بمحمد صلى اللّه عليه وسلم جنة أم لا؟ وعلى هذا لا يوقف على تَتَفَكَّرُوا وقدم المثنى لأن الحقائق من متعاضدين في النظر أجدى من فكرة واحدة، فإذا انقدح الحق بين الاثنين فكر كل واحد منهما بعد ذلك فيزيد بصيرة وقد قال الشاعر :[الطويل ]
إذا اجتمعوا جاءوا بكل غريبة فيزداد بعض القوم من بعضهم علما
وقرأ يعقوب «ثم تفكروا» بتاء واحدة، وقال مجاهد بواحدة معناه بلا إله إلا اللّه وقيل غير هذا مما لا تعطيه الآية، وقوله بَيْنَ يَدَيْ مرتب على أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم جاء في الزمن من قبل العذاب الشديد الذي توعدوا به.
قوله عز وجل :
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٤٧ الى ٥١]
قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١)
أمره اللّه تعالى في هذه الآية بالتبري من طلب الدنيا وطلب الأجر على الرسالة وتسليم كل دنيا إلى أربابها والتوكل على اللّه في الأجر وجزاء الجد والإقرار بأنه شهيد على كل شيء من أفعال البشر وأقوالهم وغير ذلك، وقوله يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يريد بالوحي وآيات القرآن واستعار له القذف من حيث كان الكفار يرمون بآياته وحكمه، وقرأ جمهور القراء «علّام» بالرفع أي هو علام، وقرأ عيسى بن عمرو ابن أبي إسحاق «علّام» بالنصب إما على البدل من اسم إِنَّ وإما على المدح، وقرأ الأعمش «بالحق وهو علام الغيوب»، وقرأ عاصم «الغيوب» بكسر الغين، وقوله قُلْ جاءَ الْحَقُّ يريد الشرع وأمر اللّه ونهيه، وقال قوم