المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٣٨
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١)
قال مطرف بن عبد اللّه بن الشخير هذه آية القراء وهذا على أن يَتْلُونَ بمعنى يقرؤون وإن جعلناها بمعنى يتبعون صح معنى الآية، وكانت في القراء وغيرهم ممن اتصف بأوصاف الآية، وكِتابَ اللَّهِ هو القرآن، وإقامة الصلاة إقامتها بجميع شروطها، والنفقة هي في الصدقات ووجوه البر، فالسر من ذلك هو التطوع والعلانية هو المفروض، ويَرْجُونَ جملة في موضع خبر إِنَّ، وتَبُورَ معناه تكسد ويتعذر ربحها، ويقال تعوذوا باللّه من بوار الأيم، واللام في قوله لِيُوَفِّيَهُمْ متعلقة بفعل مضمر يقتضيه لفظ الآية تقديره وعدهم بأن لا تبور، أو فعلوا ذلك كله، أو أطاعوه ونحو هذا من التقديرات، وقوله وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قالت فرقة : هو تضعيف الحسنات من العشر إلى السبعمائة، وتوفية الأجور على هذا هي المجازاة مقابلة، وقالت فرقة : إن التضعيف داخل في توفية الأجور، وأما الزيادة من فضله إما النظر إلى وجهه تعالى، وإما أن يجعلهم شافعين في غيرهم، كما قال تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس : ٢٦] وغَفُورٌ معناه متجاوز عن الذنوب ساتر لها، وشَكُورٌ معناه مجاز عن اليسير من الطاعات مقرب لعبده، ثم ثبت تعالى أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم بقوله : وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ الآية، ومُصَدِّقاً حال مؤكدة، والذي بين يدي القرآن هو التوراة والإنجيل، وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ، وعيد.
قوله عز وجل :
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤)
أَوْرَثْنَا معناه أعطيناه فرقة بعد موت فرق، والميراث حقيقة أو مجازا إنما يقال فيما صار لإنسان بعد موت آخر، والْكِتابَ هنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، فكأن اللّه تعالى لما أعطى أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم القرآن وهو قد تضمن لمعاني الكتب المنزلة، قبله، فكأنه ورث أمة محمد الكتاب الذي كان في الأمم قبلها، والَّذِينَ اصْطَفَيْنا يريد بهم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم قاله ابن عباس وغيره، وكأن اللفظ يحتمل أن يريد به جميع المؤمنين من كل أمة إلا أن عبارة توريث الكتاب لم تكن إلا لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، والأول لم يورثوه، واصْطَفَيْنا معناه اخترنا وفضلنا، و«العباد» عام في جميع العالم، مؤمنهم وكافرهم، واختلف الناس في عود الضمير من قوله فَمِنْهُمْ فقال