المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٤٠
السبق بالخيرات هو الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، قال في كتاب الثعلبي جمعهم في دخول الجنة لأنه ميراث، والبار والعاق سواء في الميراث مع صحة النسب، فكذلك هؤلاء مع صحة الإيمان، وقرأ جمهور الناس «جنات» بالرفع على البدل من الْفَضْلُ وقرأ الجحدري «جنات» بالنصب بفعل مضمر يفسره يَدْخُلُونَها وقرأ زر بن حبيش «جنة عدن» على الإفراد، وقرأ أبو عمرو وحده «يدخلونها» بضم الياء وفتح الخاء، ورويت عن ابن كثير، وقرأ الباقون «يدخلونها» بفتح الياء وضم الخاء، وأَساوِرَ جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، ويقال سوار بضم السين، وفي حرف أبي أساوير، وهو جمع أسوار وقد يقال ذلك في الحلي، ومشهور أسوار أنه الجيد الرمي من جند الفرس، ويحلون معناه رجالا ونساء، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع «و لؤلؤا» بالنصب عطفا على أَساوِرَ، وكان عاصم في رواية أبي بكر يقرأ و«لولؤا» بسكون الواو الأولى دون همز، وبهمز الثانية، وروي عنه ضد هذا همز الأولى، ولا يهمز الثانية، وقرأ الباقون «لؤلؤ» بالهمز وبالخفض عطفا على أَساوِرَ، والْحَزَنَ في هذه الآية عام في جميع أنواع الأحزان، وخصص المفسرون في هذا الموضع فقال أبو الدرداء : حزن أهوال القيامة وما يصيب هناك من ظلم نفسه من الغم والحزن، وقال ابن عباس : حزن جهنم، وقال عطية : حزن الموت، وقال شهر : حزن معيشة الدنيا الخبز ونحوه، وقال قتادة : حزن الدنيا في الخوف أن تتقبل أعمالهم، وقيل غير هذا مما هو جزء من الحزن.
قال القاضي أبو محمد : ولا معنى لتخصيص شيء من هذه الأحزان، لأن الحزن أجمع قد ذهب عنهم، وقولهم لَغَفُورٌ شَكُورٌ وصفوه تعالى بأنه يغفر الذنوب ويجازي على القليل من الأعمال الصالحة بالكثير من الثواب، وهذا هو شكره لا رب سواه.
قوله عز وجل :
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٥ الى ٣٧]
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)
الْمُقامَةِ الإقامة، وهو من أقام، و«المقامة» بفتح الميم القيام وهو من قام، ودارَ الْمُقامَةِ الجنة، و«النصب» تعب البدن، و«اللغوب» تعب النفس اللازم عن تعب البدن، وقال قتادة «اللغوب» الوجع، وقرأ الجمهور «لغوب» بضم اللام، وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي «لغوب» بفتح اللام أي شيء يعيينا، ويحتمل أن يكون مصدرا كالولوع والوضوء، ثم أخبر عن حال الَّذِينَ كَفَرُوا معادلا بذلك الإخبار قبل عن الذين اصطفى، وهذا يؤيد تأويل من قال إن الأصناف الثلاثة هي كلها في الجنة لأن ذكر الكافرين إنما جاء هاهنا، وقوله لا يُقْضى معناه لا يجهز لأنهم لو ماتوا لبطلت حواسهم فاستراحوا، وقرأ الحسن البصري والثقفي «فيموتون» ووجهها العطف على يُقْضى وهي قراءة ضعيفة، وقوله لا يُخَفَّفُ