المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٤٣
وَلَئِنْ زالَتا قيل أراد يوم القيامة عند طي السماء ونسف الجبال، فكأنه قال ولئن جاء وقت زوالهما، وقيل بل ذلك على جهة التوهم والفرض، ولئن فرضنا زوالهما فكأنه قال ولو زالتا، وقال بعضهم لَئِنْ في هذا الموضع بمعنى لو.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قريب من الذي قبله، وقرأ ابن أبي عبلة «و لو زالتا» وقوله مِنْ بَعْدِهِ فيه حذف مضاف تقديره من بعد تركه الإمساك، وقالت فرقة : اتصافه بالحلم والغفران في هذه الآية إنما هو إشارة إلى أن السماء كادت تزول والأرض كذلك لإشراك الكفرة فيمسكهما اللّه حلما منه عن المشركين وتربصا ليغفر لمن آمن منهم، كما قال في آية أخرى تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ [مريم : ٩٠] [الشورى : ٥].
قوله عز وجل :
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (٤٣)
الضمير في قوله أَقْسَمُوا لكفار قريش، وذلك أنه روي أن كفار قريش كانت قبل الإسلام تأخذ على اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضا وتقول لو جاءنا نحن رسول لكنا أهدى من هؤلاء وهؤلاء، وجَهْدَ أَيْمانِهِمْ منصوب على المصدر، أي بغاية اجتهادهم، وإِحْدَى الْأُمَمِ يريد اليهود والنصارى، و«النفور» البعد عن الشيء والفزع منه والاستبشاع له، واسْتِكْباراً قيل فيه بدل من النفور، وقيل مفعول من أجله، أي نفروا من أجل الاستكبار، وأضاف «المكر» إلى السَّيِّئِ وهو صفة كما قيل دار الآخرة، ومسجد الجامع، وجانب الغربي، وقرأ الجمهور بكسر الهمزة من «السّيّئ» وقرأ حمزة وحده «السّيّئ» بسكون الهمزة وهو في الثانية برفع الهمزة كالجماعة، ولحن هذه القراءة الزجاج ووجهها أبو علي الفارسي بوجوه منها أن يكون أسكن لتوالي الحركات كما قال :«قلت صاحب قوم» على أن المبرد روى هذا قلت صاح، وكما امرؤ القيس :[السريع ]
اليوم أشرب غير مستحقب إثما من اللّه ولا واغل
على أن المبرد قد رواه فاشرب وكما قال جرير :[البسيط]
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ونهر تيرى ولن تعرفكم العرب
وقرأ ابن مسعود «و مكرا سيئا»، قال أبو الفتح : يعضده تنكير ما قبله من قوله اسْتِكْباراً، ويَحِيقُ معناه يحيط ويحل وينزل ولا يستعمل إلا في المكروه، وقوله إِلَّا بِأَهْلِهِ، أي أنه لا بد أن يحيق بهم إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة فعاقبته الفاسدة لهم، وإن حاق في الدنيا بغيرهم أحيانا فعاقبة ذلك على أهله، وقال كعب لابن عباس : إن في التوراة «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»، فقال ابن عباس : أنا أوجدك هذا في


الصفحة التالية
Icon