المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٤٩
الضرب للمثل مأخوذ من الضريب الذي هو الشبه في النوع، كما تقول هذا ضرب هذا، واختلف هل يتعدى فعل ضرب المثل إلى مفعولين أو إلى واحد، فمن قال إنه يتعدى إلى مفعولين جعل هذه الآية مَثَلًا وأَصْحابَ مفعولين لقوله اضْرِبْ، ومن قال إنه يتعدى إلى مفعول واحد جعله مَثَلًا وجعل أَصْحابَ بدلا منه، ويجوز أن يكون المفعول أَصْحابَ ويكون قوله مَثَلًا نصب على الحال، أي في حال تمثيل منك، والْقَرْيَةِ على ما روي عن ابن عباس والزهري وعكرمة أنطاكية، واختلف المفسرون في «المرسلين» فقال قتادة وغيره : كانوا من الحواريين الذين بعثهم عيسى عليه السلام حين رفع وصلب الذي ألقي عليه شبهه، فافترق الحواريون في الآفاق فقص اللّه تعالى هنا قصة الذين نهضوا إلى انطاكية، وقالت فرقة : هؤلاء أنبياء من قبل اللّه تعالى.
قال القاضي أبو محمد : وهذا يرجحه قول الكفرة ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فإنها محاورة إنما تقال لمن ادعى الرسالة عن اللّه تعالى والآخر محتمل، وذكر النقاش في قصص هذه الآية شيئا يطول والصحة فيه غير متيقنة فاختصرته، واللازم من الآية أن اللّه تعالى بعث إليها رسولين فدعيا أهل القرية إلى عبادة اللّه تعالى وحده، وإلى الهدى والإيمان فكذبوهما فشدد اللّه تعالى أمرهما بثالث وقامت الحجة على أهل القرية، وآمن منهم الرجل الذي جاء يسعى، وقتلوه في آخر أمره، وكفروا فأصابتهم صيحة من السماء فخمدوا، وقرأ جمهور القراء «فعزّزنا» بشد الزاي الأولى على معنى قوينا وشددنا، وبهذا فسر مجاهد وغيره، وقرأ عاصم في رواية المفضل عن أبي بكر «فعززنا» بالتخفيف في الزاي على معنى غلبناهم أمرهم، وفي حرف ابن مسعود «فعززنا بالثالث» بألف ولام، وهذه الأمة أنكرت النبوءة بقولها : وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ، وراجعتهم الرسل بأن يردوا العلم إلى اللّه تعالى وقنعوا بعلمه وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط وما عليهم من هداهم وضلالهم، وفي هذا وعيد لهم.
قوله عز وجل :
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٨ الى ٢١]
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)
قال بعض المتأولين : إن أهل هذه القرية أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم المرسلين فلذلك قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ، وقال مقاتل : احتبس عنهم المطر فلذلك قالوه، ومعناه تشاءمنا بكم، مأخوذ من الحكم بالطير، وهو معنى متداول في الأمم وقلما يستعمل تطيرت إلا في الشؤم، وأما حكم الطير عند مستعمليه ففي التيمن وفي الشؤم، والأظهر أن تطير هؤلاء إنما كان بسبب ما دخل قريتهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وهذا على نحو تطير قريش بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وعلى نحو ما خوطب به موسى، وقال