المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٥٤
ونقشر، فهي استعارة، ومُظْلِمُونَ داخلون في الظلام، واستدل قوم من هذه الآية على أن الليل أصل والنهار فرع طار عليه، وفي ذلك نظر، و«مستقر الشمس» على ما روي في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من طريق أبي ذؤيب «بين يدي العرش تمجد فيه كل ليلة بعد غروبها»، وفي حديث آخر «أنها تغرب في عين حمئة ولها ثم وجبة عظيمة»، وقالت فرقة : مستقرها هو في يوم القيامة حين تكون فهي تجري لذلك المستقر، وقالت فرقة : مستقرها كناية عن غيوبها لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه، وقيل : مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهاية مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين، ونحا إلى هذا ابن قتيبة، وقالت فرقة : مستقرها وقوفها عند الزوال في كل يوم، ودليل استقرارها وقوف ظلال الأشياء حينئذ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، «و الشمس تجري لا مستقر لها»، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والحسن والأعرج «و القمر» بالرفع عطفا على قوله وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ عطف جملة على جملة ويصح وجه آخر وهو أن يكون قوله وَآيَةٌ ابتداء وخبره محذوف، كأنه قال : في الوجود وفي المشاهدة، ثم فسر ذلك بجملتين من ابتداء وخبر وابتداء وخبر، الأولى منهما اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ، والثانية وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، وقرأ الباقون «و القمر قدرناه» بنصب «القمر» على إضمار فعل يفسره قَدَّرْناهُ، وهي قراءة أبي جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه، ومَنازِلَ نصب على الظرف، وهذه المنازل المعروفة عند العرب وهي ثمانية وعشرون منزلة يقطع القمر منها كل ليلة أقل من واحدة فيما يزعمون، وعودته هي استهلاله رقيقا، وحينئذ يشبه «العرجون» وهو الغصن من النخلة الذي فيه شماريخ التمر فإنه ينحني ويصفر إذا قدم ويجي ء
أشبه شيء بالهلال قاله الحسن بن أبي الحسن، والوجود تشهد به، وقرأ سليمان التيمي «كالعرجون» بكسر العين، والْقَدِيمِ معناه العتيق الذي قد مر عليه زمن طويل، ويَنْبَغِي هنا مستعملة فيما لا يمكن خلافه لأنها لا قدرة لها على غير ذلك، وقرأ الجمهور «سابق النهار» بالإضافة، وقرأ عبادة «سابق النهار» دون تنوين في القاف، وبنصب «النهار» ذكره الزهراوي وقال : حذف التنوين تخفيفا، و«الفلك» فيما روي عن ابن عباس متحرك مستدير كفلكة المغزل من الكواكب، ويَسْبَحُونَ معناه يجرون ويعومون، قال مكي : لما أسند إليها فعل من يعقل جمعت بالواو والنون.
قوله عز وجل :
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٤٦]
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥)
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦)
آيَةٌ معناه علامة ودليل، ورفعها بالابتداء وخبره في قوله لَهُمْ، وأَنَّا بدل من آيَةٌ وفيه


الصفحة التالية
Icon