المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٦٢
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وقال الحسن بن أبي الحسن : أنشد النبي صلى اللّه عليه وسلم «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا»، فقال أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما : نشهد أنك رسول اللّه إنما قال الشاعر :«كفى الشيب والإسلام إلخ...»
حكاه الثعلبي.
قال القاضي أبو محمد : وإصابته الوزن أحيانا لا يوجب أنه يعلم الشعر، وكذلك قد يأتي أحيانا في نثر كلامه ما يدخل في وزن كقوله يوم حنين، «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» كذلك يأتي في آيات القرآن وفي كل كلام وليس كله بشعر ولا هو في معناه.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية تقتضي عندي غضاضة على الشعر ولا بد، ويؤيد ذلك قول عائشة رضي اللّه عنها : كان الشعر أبغض الحديث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان يتمثل بشعر أخي قيس طرفة فيعكسه، فقال له أبو بكر : ليس هكذا، فقال :«ما أنا بشاعر وما ينبغي لي»، وقد ذهب قوم إلى أن الشعر لا غض عليه، قالوا وإنما منعه اللّه من التحلي بهذه الحلية الرفيعة ليجيء القرآن من قبله أغرب فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرآن إن هذا من تلك القوى.
قال القاضي أبو محمد : وليس الأمر عندي كذلك، وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم من الفصاحة والبيان في النثر في المرتبة العليا، ولكن كلام اللّه تعالى يبين بإعجازه ويبرز برصفه ويخرجه إحاطة علم اللّه من كل كلام، وإنما منعه اللّه تعالى من الشعر ترفيعا له عما في قول الشعراء من التخييل، وتزويق القول، وأما القرآن فهو ذكر لحقائق وبراهين، فما هو بقول شاعر، وهكذا كان أسلوب كلامه عليه السلام لأنه لا ينطق عن الهوى، والشعر نازل الرتبة عن هذا كله، والضمير في عَلَّمْناهُ عائد على محمد صلى اللّه عليه وسلم قولا واحدا، والضمير في لَهُ يحتمل أن يعود على محمد ويحتمل أن يعود على القرآن، وإن كان لم يذكر لدلالة المجاورة عليه، وبين ذلك قوله تعالى : إِنْ هُوَ وقرأ نافع وابن كثير، «لتنذر» بالتاء على مخاطبة محمد صلى اللّه عليه وسلم وقرأ الباقون «لينذر» بالياء أي لينذر القرآن أو لينذر محمد، واللام في «لينذر» متعلقة ب مُبِينٌ، وقرأ محمد اليماني «لينذر» بضم الياء وفتح الذال قال أبو حاتم : ولو قرىء «لينذر» بفتح الياء والذال أي لتحفظ ويأخذ بحظه لكان جائزا، وحكاها أبو عمرو قراءة عن محمد اليماني، وقوله تعالى : مَنْ كانَ حَيًّا أي حي القلب والبصيرة، ولم يكن ميتا لكفره، وهذه استعارة قال الضحاك مَنْ كانَ حَيًّا معناه عاقلا، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ معناه يحتم العذاب ويجب الخلود، وهذا كقوله تعالى :
حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ [يونس : ٣٣].
قوله عز وجل :
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧١ الى ٧٦]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥)
فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)