المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٦٧
«الواصب» الموجع، ومنه الوصب، والمعنى هذه الحال الغالبة على جميع الشياطين، إلا من شذ فخطف خبرا ونبأ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ فأحرقه، وقرأ جمهور القراء «خطف» بفتح الخاء وكسر الطاء وتخفيفها، وقرأ الحسن وقتادة «خطّف» بكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء، قال أبو حاتم : يقال إنها لغة بكر بن وائل وتميم بن مر، وروي عن ابن عباس «خطف» بكسر الخاء والطاء مخففة، و«الثاقب» النافذ بضوئه وشعاعه المنير، قاله قتادة والسدي وابن زيد، وحسب ثاقب إذا كان سنيا منيرا.
قوله عز وجل :
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١ الى ١٨]
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥)
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨)
الاستفتاء نوع من أنواع السؤال وكأنه سؤال من يهتبل بقوله ويجعل حجة، وكذلك هي أقوالهم في هذا الفصل لأنهم لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن خلق من سواهم من الملائكة والجن والسماوات والأرض والمشارق وغير ذلك هو أشد من هؤلاء المخاطبين، وبأن الضمير في خَلَقْنا يراد به ما تقدم ذكره، قال مجاهد وقتادة وغيرهما وفي مصحف ابن مسعود «أم من عددنا» يريد من الصَّافَّاتِ وغيرها والسَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما [الصافات : ٥]، وكذلك قرأ الأعمش «أمن» مخففة الميم دون أَمْ، ثم أخبر تعالى إخبارا جزما عن خلقه لآدم الذي هو أبو البشر وأضاف الخلق من الطين إلى جميع الناس من حيث الأب مخلوق منه، وقال الطبري : خلق آدم من تراب وماء ونار وهواء وهذا كله إذا خلط صار طينا لازبا، واللازب أي يلزم ما جاوره ويلصق به، وهو الصلصال كالفخار، وعبر ابن عباس وعكرمة عن «اللازب» بالجر الكريم الجيد وحقيقة المعنى ما ذكرناه، يقال ضربة لازم وضربة لازب بمعنى واحد، وقرأ جمهور القراء «بل عجبت» بفتح التاء، أي عجبت يا محمد عن إعراضهم عن الحق وعماهم عن الهدى وأن يكونوا كافرين مع ما جئتهم به من عند اللّه، وقرأ حمزة والكسائي «بل عجبت» بضم التاء، ورويت عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن وثاب والنخعي وطلحة وشقيق والأعمش وذلك على أن يكون تعالى هو المتعجب، ومعنى ذلك من اللّه أنه صفة فعل، ونحوه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم «يعجب اللّه تعالى إلى قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل»، وقوله عليه السلام «يعجب اللّه من الشاب ليست له صبوة»، فإنما هي عبارة عما يظهره تعالى في جانب المتعجب منه من التعظيم والتحقير حتى يصير الناس متعجبين منه، فمعنى هذه الآية بل عجبت من ضلالتهم وسوء نحلتهم، وجعلتها للناظرين، وفيما اقترن معها من شرعي وهداي متعجبا، وروي عن شريح أنه أنكر هذه القراءة وقال إن اللّه تعالى لا
يعجب، وقال الأعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال إن شريحا كان معجبا بعلمه وإن عبد اللّه أعلم منه، وقال مكي وعلي بن سليمان في كتاب الزهراوي : هو إخبار عن النبي صلى اللّه عليه وسلم عن نفسه كأن المعنى قل بل عجبت، وقوله يَسْخَرُونَ أي وهم يسخرون من نبوءتك والحق الذي