المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٦٩
من الكفرة إلى شكله وصاحبه ومعهم ما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من آدمي رضي بذلك ومن صنم ووثن توبيخا لهم وإظهارا لسوء حالهم، وقال الحسن : المعنى وأزواجهم المشركات من النساء وروي ذلك عن ابن عباس ورجحه الرماني، وقوله تعالى فَاهْدُوهُمْ. معناه قوموهم واجعلوهم على طريق الجحيم، والْجَحِيمِ طبقة من طبقات جهنم يقال إنها الرابعة، ثم يأمر تعالى بوقفهم، و«وقف» يتعدى بنفسه تقول وقفت ووقفت زيدا، وأمره بذلك على جهة التوبيخ لهم والسؤال واختلف الناس في الشيء الذي يسألون عنه فروي عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال : يسألون هل يحبون شرب الماء البارد، وهذا على طريق الهزء بهم، وقال ابن عباس : يسألون عن لا إله إلا اللّه، وقال جمهور المفسرين : يسألون عن أعمالهم ويوقفون على قبحها.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول متجه عام في الهزء وغيره وروى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام أنه قال «أيما رجل دعا رجلا إلى شيء كان لازما له»، وقرأ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ، وروى ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال «لا تزول قدما عبد من بين يدي اللّه تعالى حتى يسأله عن خمس، عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله فيما أنفقه، وكيف كسبه، وعما عمل فيما علم»، ويحتمل عندي أن يكون المعنى على نحو ما فسره بقوله ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ أي أنكم مسؤولون عن امتناعهم عن التناصر، وهذا على جهة التوبيخ في هذا الفصل خاصة أعني الامتناع من التناصر، وقرأ «تناصرون» بتاء واحدة خفيفة، شيبة ونافع، وقرأ خلق «لا تتناصرون»، وكذلك في حرف عبد اللّه، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «لا تناصرون» بإدغام التاء من قراءة عبد اللّه بن مسعود وقال الثعلبي قوله : ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ جواب أبي جهل حين قال في بدر نحن جميع منتصر، ثم أخبر تعالى عن أنهم في ذلك اليوم في حالة الاستسلام والإلقاء باليد.
قوله تعالى :
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٢٧ الى ٣٤]
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١)
فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤)
هذه الجماعة التي يقبل بعضها على بعض هي إنس وجن، قاله قتادة، وتساؤلهم هو على معنى التقريع واللوم والتسخط، والقائلون إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ إما أن يكون الإنس يقولونها للشياطين وهذا قول مجاهد وابن زيد، وإما أن يكون ضعفة الإنس يقولونها للكبراء والقادة، واضطرب المتأولون في معنى قولهم عَنِ الْيَمِينِ وعبر ابن زيد وغيره عنه بطريق الجنة والخير ونحو هذا من العبارات التي هي تفسير بالمعنى لا تختص باللفظة وبعضهم أيضا نحا في تفسير الآية إلى ما يخصها، والذي يتحصل من ذلك معان، منها أن يريد ب الْيَمِينِ القوة والشدة فكأنهم قالوا إنكم كنتم تغووننا بقوة منكم وتحملوننا على طريق الضلالة بمتابعة منكم في شدة فعبر عن هذا المعنى ب الْيَمِينِ كما قالت العرب «بيدين ما