المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٧٧
قال القاضي أبو محمد : ومن الْكَرْبِ تكذيب الكفرة وركوب الماء وهوله قال الرماني :
الْكَرْبِ : الحر الثقيل على القلب، وقوله تعالى : وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ قال ابن عباس وقتادة :
أهل الأرض كلهم من ذرية نوح، قال الطبري : والعرب من أولاد سام، والسودان من أولاد حام، والترك والصقلب وغيرهم من أولاد يافث، وروي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ فقال :«سام وحام ويافث»، وقالت فرقة : إن اللّه تعالى أبقى ذرية نوح ومد نسله وبارك في ضئضئه وليس الأمر بأن أهل الأرض انحصروا إلى نسله بل في الأمم من لا يرجع إليه، والأول أشهر عند علماء الأمة وقالوا نُوحٌ هو آدم الأصغر، وقوله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ معناه ثناء حسنا جميلا آخر الدهر، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، وقوله سَلامٌ على هذا التأويل رفع بالابتداء مستأنف سلم اللّه به عليه ليقتدي بذلك البشر، قال الطبري : هذه أمانة منه لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء.
قال القاضي أبو محمد : هذا جزاء ما صبر طويلا على أقوال الكفرة الفجرة، وقال الفراء وغيره من الكوفيين : قوله سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ جملة في موضع نصب ب تَرَكْنا وهذا هو المتروك عليه، فكأنه قال وتركنا على نوح تسليما يسلم به عليه إلى يوم القيامة، وفي قراءة عبد اللّه «سلاما على نوح» على النصب ب تَرَكْنا صلى اللّه على نوح وعلى أهله وسلم تسليما وشرف وكرم وعلى جميع أنبيائه وفِي الْآخِرِينَ معناه في الباقين غابر الدهر، والقراءة بكسر الخاء وما كان من إهلاك فهو بفتحها.
قوله تعالى :
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٨٠ الى ٩٠]
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)
قوله تعالى : كَذلِكَ إشارة إلى إنعامه على نوح بالإجابة كما اقترح، وأثنى تعالى على نوح بالإحسان، لصبره على أذى قومه ومطاولته لهم وغير ذلك من عبادته وأفعاله صلى اللّه عليه وسلم، وقوله تعالى : ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يقتضي أنه أغرق قوم نوح وأمته ومكذبيه، وليس في ذلك نص على أن الغرق عم جميع أهل الأرض، ولكن قد قالت جماعة من العلماء وأسندت أحاديث بأن الغرق عم جميع الناس إلا من كان معه في السفينة، وعلى هذا ترتب القول بأن الناس اليوم من ذريته، وقالوا لم يكن الناس حينئذ بهذه الكثرة لأن عهد آدم كان قريبا، وكانت دعوة نوح ونبوءته قد بلغت جميعهم لطول المدة واللبث فيهم فكان الجميع كفرة عبدة أوثان لم يثنهم الحق إلى نفسه فلذلك أغرق جميعهم، وقوله تعالى : مِنْ شِيعَتِهِ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : الضمير عائد على نوح، والمعنى في الدين والتوحيد، وقال الطبري وغيره عن الفراء : الضمير عائد على محمد صلى اللّه عليه وسلم والإشارة إليه.


الصفحة التالية
Icon