المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٩٧
وقرأ ابن أبي عبلة :«و الطير محشورة» بالرفع فيهما. والضمير في : لَهُ قالت فرقة : هو عائد على داود، ف كُلٌّ للجبال والطير.
وقوله تعالى : وَشَدَدْنا مُلْكَهُ عبارة عامة لجميع ما وهبه اللّه تعالى من قوة وخير ونعمة، وقد خصص بعض المفسرين في ذلك أشياء دون أشياء، فقال السدي : بالجنود. وقال آخرون : بهيبة جعلها اللّه تعالى له.
وقرأ الجمهور :«و شددنا» بتخفيف الدال الأولى. وروي عن الحسن :«شدّدنا» بشدها على المبالغة.
والْحِكْمَةَ : الفهم في الدين وجودة النظر، هذا قول فرقة. وقالت فرقة : أراد ب الْحِكْمَةَ النبوءة. وقال أبو العالية : الْحِكْمَةَ العلم الذي لا ترده العقول.
قال القاضي أبو محمد : هي عقائد البرهان واختلف الناس في فَصْلَ الْخِطابِ، فقال ابن عباس ومجاهد والسدي : فصل القضاء بين الناس بالحق وإصابته وفهمه. وقال علي بن أبي طالب وشريح والشعبي : فَصْلَ الْخِطابِ إيجاب اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعي. وقال الشعبي أيضا وزياد : أراد قول أما بعد، فإنه أول من قالها، والذي يعطيه لفظ الآية أن اللّه تعالى آتاه أنه كان إذا خاطب في نازلة فصل المعنى وأوضحه وبينه، لا يأخذه في ذلك حصر ولا ضعف، وهذه صفة قليل من يدركها، فكان كلامه عليه السلام فصلا، وقد قال اللّه تعالى في صفة القرآن : إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ [الطارق : ١٣] ويزيد محمد صلى اللّه عليه وسلم على هذه الدرجة بالإيجاز في العبارة وجمع المعاني الكثيرة في اللفظ اليسير، وهذا هو الذي تخصص عليه السلام في قوله :«و أعطيت جوامع الكلم» فإنها في الخلال التي لم يؤتها أحد قبله، ذكر جوامع الكلم معدودة في ذلك مسلم.
قوله عز وجل :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤)
هذه مخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وسلم واستفتحت بالاستفهام تعجيبا من القصة وتفخيما لها، لأن المعنى : هل أتاك هذا الأمر العجيب الذي هو عبرة، فكأن هذا الاستفهام إنما هو تهيئة نفس المخاطب وإعدادها للتلقي. والْخَصْمِ جار مجرى عدل وزور، يوصف به الواحد والاثنان والجميع، ومنه قول لبيد :[الطويل ]