المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٤٩٩
الخصم ليفتي بأن هذا ظلم. وقالت فرقة : إن هذا كله هم به داود ولم يفعله، وإنما وقعت المعاتبة على همه بذلك. وقال آخرون : إنما الخطأ في أن لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده، إذ كان عنده أمر المرأة.
قال القاضي أبو محمد : والرواة على الأول أكثر، وفي كتب بني إسرائيل في هذه القصة صور لا تليق، وقد حدث بها قصاص في صدر هذه الأمة، فقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : من حدث بما قال هؤلاء القصاص في أمر داود عليه السلام جلدته حدين لما ارتكب من حرمة من رفع اللّه محله.
وقوله : خَصْمانِ تقديره : نحن خصمان، وهذا كقول الشاعر :[الطويل ]
وقولا إذا جاوزتما أرض عامر وجاوزتما الحيين نهدا وخثعما
نزيعان من جرم ابن زبان إنهم أبوا أن يميروا في الهزاهز محجما
ونحوه قال العرب في مثل : محسنة فهيلي، التقدير : أنت محسنة، ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم :
«آئبون تائبون». و: بَغى معناه : اعتدى واستطال، ومنه قول الشاعر :[الوافر]
ولكن الفتى حمل بن بدر بغى والبغي مرتعه وخيم
وقوله : فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ إغلاظ على الحاكم واستدعاء بعدله، وليس هذا بارتياب منه، ومنه قول الرجل للنبي عليه السلام : فاحكم بيننا بكتاب اللّه.
وقرأ جمهور الناس :«و لا تشطط» بضم التاء وكسر الطاء الأولى، معناه : ولا تتعد في حكمك. وقرأ أبو رجاء وقتادة :«تشطط» بفتح التاء وضم الطاء، وهي قراءة الحسن والجحدري، ومعناه : ولا تبعد، يقال : شط إذا بعد، وأشط إذا أبعد غيره. وقرأ زر بن حبيش :«تشاطط» بضم التاء وبالألف. و: سَواءِ الصِّراطِ معناه : وسط الطريق ولا حبه.
وقوله : إِنَّ هذا أَخِي إعراب أخي عطف بيان، وذلك أن ما جرى من هذه الأشياء صفة كالخلق والخلق وسائر الأوصاف، فإنه نعت محض، والعامل فيه هو العامل في الموصوف، وما كان منها مما ليس ليوصف به بتة فهو بدل، والعامل فيه مكرر، وتقول : جاءني أخوك زيد، فالتقدير : جاءني أخوك جاءني زيد، فاقتصر على حذف العامل في البدل والمبدل منه في قوله : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ [يس : ٣١] وما كان منها مما لا يوصف به واحتيج إلى أن يبين به ويجري مجرى الصفة فهو عطف بيان، وهو بين في قول الشاعر :[الرجز] يا نصر نصرا نصرا فإن الرواية في الثاني بالتنوين، فدل ذلك على أن النداء ليس بمكرر عليه، فليس ببدل، وصح فيه عطف البيان، وهذه الأخوة مستعارة، إذ هما ملكان، لكن من حيث تصورا آدميين تكلما بالأخوة التي بينهما في الدين والإيمان، واللّه أعلم. و«النعجة» في هذه الآية، عبر بها عن المرأة. والنعجة في كلام العرب تقع