المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٠٤
نصب على المصدر، أي أحببت هذه الخيل حب الخير، وتكون الْخَيْرِ على هذا التأويل غير الخيل، وفي مصحف ابن مسعود :«حب الحيل»، باللام. وقالت فرقة : أَحْبَبْتُ معناه : سقطت إلى الأرض لذنبي، مأخوذ من أحب البعير إذا أعيا وسقط هزالا. وحُبَّ على هذا مفعول من أجله. والضمير في تَوارَتْ للشمس، وإن كان لم يجر لها ذكر صريح، لأن المعنى يقتضيها، وأيضا فذكر العشي يقتضي لها ذكرا ويتضمنها، لأن العشي إنما هو مقدر متوهم بها. وقال بعض المفسرين في هذه الآية : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يريد الخيل، أي دخلت اصطبلاتها. وقال ابن عيسى والزهري : إن مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف، بل بيده تكريما لها ومحبة، ورجحه الطبري. وقال بعضهم : بل غسلا بالماء، وقد يقال للغسل مسح، لأن الغسل بالأيدي يقترن به، وهذه الأقوال عندي إنما تترتب على نحو من التفسير في هذه الآية. وروي عن بعض الناس، وذلك أنه رأى أن هذه القصة لم يكن فيها فوت صلاة ولا تضمن أمر الخيل أوبة ولا رجوعا، فالعامل في : إِذْ عُرِضَ فعل مضمر تقديره : اذكر إذ عرض، وقالوا عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة، فأشار إليهم، أي في الصلاة، فأزالوها عنه حتى أدخلوها في الاصطبلات، فقال هو لما فرغ من صلاته : إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ أي الذي عند اللّه في الآخرة بسبب ذكر ربي، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها رُدُّوها عَلَيَّ فطفق يمسح أعناقها وسوقها محبة لها، وذكر الثعلبي أن هذا المسح إنما كان وسما في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل اللّه. وجمهور الناس على أنها كانت خيلا موروثة. قال بعضهم : قتلها حتى لم يبق منها أكثر من مائة فرس، فمن نسل تلك المائة كل ما يوجد اليوم من الخيل، وهذا بعيد. وقالت فرقة : كانت خيلا أخرجتها الشياطين له من البحر وكانت ذوات أجنحة. وروي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنها كانت عشرين فرسا.
وطفق معناه : دام يقتل، كما تقول : جعل يفعل.
وقرأ جمهور الناس :«بالسوق» بسكون الواو وهو جمع ساق. وقرأ ابن كثير وحده :«السؤق» بالهمز.
قال أبو علي : وهي ضعيفة، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو قدر أنها عليها فهمزت كما يفعلون بالواو المضمومة، وهذا نظير إمالتهم ألف «مقلات» من حيث وليت الكسرة القاف، قدروا أن القاف هي المكسورة، ووجه همزة السوق من السماع أن إباحية النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وكان ينشد :
لحب الموقدين إليّ موسى وقرأ ابن محيصن :«بالسؤوق» بهمزة بعدها الواو.
وقوله تعالى : عَنْ ذِكْرِ رَبِّي فإن عَنْ على كل تأويل هنا للمجاورة من شيء إلى شيء، وتدبره فإنه مطرد.
ثم أخبر اللّه تعالى عن فتنته لسليمان وامتحانه إياه لزوال ملكه، وروي في ذلك أن سليمان عليه السلام قالت له حظية من حظاياه إن أخي له خصومة، فأرغب أن تقضي له بكذا وكذا بشيء غير الحق، فقال سليمان عليه السلام : أفعل، فعاقبه اللّه تعالى بأن سلط على خاتمه جنيا، وذلك أن سليمان عليه السلام