المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥١١
بريدة : هو أنتن الأشياء، ورواه أبو سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم :«و غسّاق» بتشديد السين، بمعنى سيال وهي قراءة قتادة وابن أبي إسحاق وابن وثاب وطلحة، والمعنى فيه على ما قدمناه من الاختلاف غير أنها قراءة تضعف، لأن غساقا إما أن يكون صفة فيجيء في الآية حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وذلك غير مستحسن هنا، وأما أن يكون اسما، فالأسماء على هذا الوزن قليلة في كلام العرب كالفياد ونحوه وقرأ جمهور الناس :«و آخر» بالإفراد، وهو رفع بالابتداء، واختلف في تقدير خبره، فقالت طائفة تقديره : ولهم عذاب آخر. وقالت طائفة : خبره : أَزْواجٌ لأن قوله :
أَزْواجٌ ابتداء ومِنْ شَكْلِهِ خبره، والجملة خبر «آخر». وقالت طائفة : خبره أَزْواجٌ، ومِنْ شَكْلِهِ في موضع الصفة. ومعنى مِنْ شَكْلِهِ : من مثله وضربه، وجاز على هذا القول أن يخبر الجمع الذي هو أزواج عن الواحد من حيث ذلك الواحد درجات ورتب من العذاب وقوى وأقل منه. وأيضا فمن جهة أخرى على أن يسمى كل جزء من ذلك الآخر باسم الكل، قالوا : عرفات لعرفة : وشابت مفارقه فجعلوا كل جزء من المفرق مفرقا، وكما قالوا : جمل ذو عثانين ونحو هذا، ألا ترى أن جماعة من المفسرين قالوا إن هذا الآخر هو الزمهرير، فكأنهم جعلوا كل جزء منه زمهريرا.
وقرأ أبو عمرو وحده :«و أخر» على الجمع، وهي قراءة الحسن ومجاهد والجحدري وابن جبير وعيسى، وهو رفع بالابتداء وخبره أَزْواجٌ، ومِنْ شَكْلِهِ في موضع الصفة، ورجح أبو عبيد هذه القراءة وأبو حاتم بكون الصفة جمعا، ولم ينصرف «أخر» لأنه معدول عن الألف واللام صفة، وذلك أن حق أفعل وجمعه أن لا يستعمل إلا بالألف واللام، فلما استعملت «أخر» دون الألف واللام كان ذلك عدلا لها، وجاز في «أخر» أن يوصف بها النكرة كقوله تعالى : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة : ١٨٤ - ١٨٥] بخلاف جمع ما عدل عن الألف واللام، كسحر ونحوه في أنه لا يجوز أن يوصف به النكرة، لأن هذا العدل في «أخر» اعتد به في منع الصرف ولم يعتد به في الامتناع من صفة النكرة كما يعتدون بالشيء في حكم دون حكم، نحو اللام في قولهم :«لا أبا لك، لأن اللام المتصلة بالكاف اعتد بها فاصلة للإضافة، ولذلك جاز دخول لا، ولم يعتد بها في أن أعرب أبا بالحروف وشأنه إذا انفصل ولم يكن مضافا أن يعرب بالحركات فجاءت اللام ملغاة الحكم من حيث أعرب بالحرف، كأنه مضاف وهي معتد بها فاصلة في أن جوزت دخول لا.
وقرأ مجاهد :«من شكله»
بكسر الشين. وأَزْواجٌ معناه : أنواع، والمعنى لهم حميم وغساق وأغذية أخر من ضرب ما ذكره ونحوه أنواع كثيرة.
وقوله تعالى : هذا فَوْجٌ هو ما يقال لأهل النار إذا سيق عامة الكفار وأتباعهم لأن رؤساءهم يدخلون النار أولا، والأظهر أن قائل ذلك لهم ملائكة العذاب، وهو الذي حكاه الثعلبي وغيره، ويحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض، فيقول البعض الآخر : لا مَرْحَباً بِهِمْ أي لا سعة مكان ولا خير يلقونه.
والفوج : الفريق من الناس.
وقوله تعالى : بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ حكاية لقول الأتباع حين سمعوا قول الرؤساء : أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ معناه بإغوائكم، أسلفتم لنا ما أوجب هذا، فكأنكم فعلتم بنا هذا.


الصفحة التالية
Icon