المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥١٤
وقوله : إِذْ يَخْتَصِمُونَ مقطوع منه معناه : إذ تختصم العرب الكافرة في الملإ فيقول بعضها هي بنات اللّه، ويقول بعضها : هي آلهة تعبد، وغير ذلك من أقوالهم. وقالت فرقة : أراد ب «الملأ الأعلى» قريشا. وهذا قول ضعيف لا يتقوى من جهة.
وقرأ جمهور الناس :«ألا أنما» بفتح الألف، كأنه يقول : ألا إنذار. وقرأ أبو جعفر «إلا أنما أنا» على الحكاية، كأنه قيل له : أنت نذير مبين، فحكى هذا المعنى، وهذا كما يقول إنسان : أنا عالم، فيقال له :
قلت إنك عالم، فيحكي المعنى.
و: إِذْ في قوله : إِذْ قالَ رَبُّكَ بدل من قوله : إِذْ الأولى على تأويل من رأى الخصومة في شأن من يستخلف في الأرض، وعلى الأقوال الأخر يكون العامل في إِذْ الثانية فعل مضمر تقديره :
واذكر إذ قال. والبشر المخلوق من الطين : هو آدم عليه السلام. و: سَوَّيْتُهُ يريد به شخصه.
وَنَفَخْتُ هي عبارة عن إجراء الروح فيه، وهي عبارة على نحو ما يفهم من إجراء الأشياء بالنفخ.
وقوله : مِنْ رُوحِي هي إضافة ملك إلى مالك، لأن الأرواح كلها هي ملك للّه تعالى، وأضاف إلى نفسه تشريفا.
وقوله : ساجِدِينَ اختلف الناس فيه، فقالت فرقة : على السجود المتعارف. وقالت فرقة معناه :
خاضعين على أصل السجود في اللغة. ثم أخبر تعالى أن الملائكة بأمره سجدوا إِلَّا إِبْلِيسَ فإنه اسْتَكْبَرَ عن السجود.
وقوله تعالى : وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ يحتمل أن يريد به : وكان من أول أمره من الكافرين في علم اللّه تعالى، قاله ابن عباس، ويحتمل أن يريد : ووجد عند هذه الفعلة من الكافرين، وعلى القولين فقد حكم اللّه على إبليس بالكفر، وأخبر أنه كان عقد قلبه في وقت الامتناع.
قوله عز وجل :
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧٥ الى ٨١]
قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩)
قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١)
القائل لإبليس هو اللّه عز وجل، وقوله ما مَنَعَكَ تقرير وتوبيخ.
وقرأ عاصم والجحدري :«لمّا خلقت» بفتح اللام من :«لمّا» وشد الميم.
وقرأ جمهور الناس :«بيدي» بالتثنية. وقرأت فرقة :«بيديّ» بفتح الياء، وقد جاء في كتاب اللّه :
مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا [يس : ٧١] بالجمع.
وهذه كلها عبارة عن القدرة والقوة، وعبر عن هذا المعنى بذكر اليد تقريبا على السامعين، إذ المعتاد عند البشر أن القوه والبطش والاقتدار إنما هو باليد، وقد كانت جهالة العرب باللّه تعالى تقتضي أن تنكر نفوسها أن يكون خلق بغير مماسة، ونحو هذا من المعاني المعقولة، وذهب القاضي ابن الطيب إلى أن اليد