المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٣١
ثم وقفهم توقيفا معناه نفي الموقف عليه بقوله : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ أي لا أحد أظلم ممن كذب على اللّه، والإشارة بهذا الكذب بقولهم : إن للّه صاحبة وولدا وقولهم : إن كذا حرام، وإن كذا حلال افتراء على اللّه، وكذبوا أيضا بالصدق، وذلك تكذيبهم أقوال محمد عليه السلام عن اللّه تعالى ما كان من ذلك معجزا أو غير معجز. ثم توعدهم تعالى تواعدا فيه احتقارهم بقوله على وجه التوقيف : أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ، والمثوى موضع الإقامة.
قوله عز وجل :
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٣٣ الى ٣٧]
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧)
قوله تعالى : وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ معادل لقوله : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ [الزمر : ٣٢] فَمَنْ [الزمر : ٣٢] هنالك للجميع والعموم، فكذلك هاهنا هي للجنس أيضا، كأنه قال : والفريق الذي جاء بعضه بالصدق وصدق بعضه، ويستقيم المعنى واللفظ على هذا الترتيب. وفي قراءة ابن مسعود : والذي جاؤوا بالصدق وصدقوا به. و«الصدق» هنا : القرآن وأنباؤه والشرع بجملته. وقالت فرقة : الَّذِي يراد به الذين، وحذفت النون لطول الكلام، وهذا غير جيد، وتركيب جاء عليه يرد ذلك، وليس هذا كقول الفرزدق :
إن عميّ اللذا قتلا الملوك ونظير الآية قول الشاعر [أشهب بن رميلة] :[الطويل ]
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقال ابن عباس : وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ هو محمد صلى اللّه عليه وسلم وهو الذي صدق به، وقالت فرقة من المفسرين :«الذي جاء» هو جبريل، والذي صدق به هو محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقال علي بن أبي طالب وأبو العالية والكلبي وجماعة :«الذي جاء» هو محمد عليه السلام، والذي صدق هو أبو بكر. وقال أبو الأسود وجماعة منهم مجاهد : الذي صدق هو علي بن أبي طالب وقال قتادة وابن زيد :
«الذي جاء» هو محمد عليه السلام، والذي صدق به هم المؤمنون. قال مجاهد هم أهل القرآن. وقالت فرقة : بالعموم الذي ذكرناه أولا، وهو أصوب الأقوال.
وقرأ أبو صالح ومحمد بن جحادة وعكرمة بن سليمان :«و صدق به» بتخفيف الدال، بمعنى استحق به اسم الصدق، فعلى هذه القراءة يكون إسناد الأفعال كلها إلى محمد عليه السلام، وكأن أمته في