المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٣٤
[الإسراء : ٨٥] فظاهر أن التفصيل والخوض في هذا كله عناء وإن كان قد تعرض القول في هذا ونحوه أئمة، ذكره الثعلبي وغيره عن ابن عباس أنه قال : في ابن آدم نفس بها العقل والتمييز، وفيه روح به النفس والتحرك، فإذا نام العبد قبض اللّه نفسه ولم يقبض روحه. والأجل المسمى في هذه الآية : هو عمر كل إنسان.
وقرأ جمهور القراء :«قضى عليها» بفتح القاف على بناء الفعل للفاعل. وقرأ حمزة والكسائي «قضي» بضم القاف على بنائه للمفعول، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى. ثم أحال أهل الفكرة على النظر في هذا ونحوه فإنه من البين أن هذه القدرة لا يملكها ويصرفها إلا الواحد الصمد، لا رب غيره.
قوله عز وجل :
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)
أَمِ هنا مقطوعة مما قبلها، وهي مقدرة بالألف وبل، وهذا تقرير وتوبيخ، فأمر اللّه تعالى نبيه أن يوقفهم على الأمر وعلى أنهم يرضون بهذا مع كون الأصنام بصورة كذا وكذا من عدم الملك والعقل.
والواو في قوله : أَوَلَوْ واو عطف دخلت عليها ألف الاستفهام، ومتى دخلت ألف الاستفهام على واو العطف أو فائه أحدثت معنى التقرير.
ثم أمره بأن يخبر بأن جميع الشفاعة إنما هو للّه تعالى. و: جَمِيعاً نصب على الحال، والمعنى أن اللّه تعالى يشفع ثم لا يشفع أحد قبل شفاعته إلا بإذنه، فمن حيث شفاعة غيره موقوفة على إذنه بالشفاعة كلها له ومن عنده.
وقوله تعالى : وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ الآية، قال مجاهد وغيره : نزلت في قراءة النبي عليه السلام سورة النجم عند الكعبة بمحضر من الكفار، وعند ذلك ألقى الشيطان في أمنيته، فقال :«أ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، إنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى» [النجم : ١٩] فاستبشر الكفار بذلك وسروا، فلما أذهب اللّه ما ألقى الشيطان، أنفوا واستكبروا واشْمَأَزَّتْ نفوسهم، ومعناه تقبضت كبرا أو أنفة وكراهية ونفورا، ومنه قول عمرو بن كلثوم :[الوافر]
إذا عض الثقاف بها اشمأزت وولته عشوزنة زبونا
و: الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يريد الذين يعبدون من دونه، وجاءت العبارة في هذه الآيات عن الأصنام كما يجيء عمن يعقل من حيث صارت في حيز من يعقل، ونسب إليها الضر والنفع والألوهية، ونفي ذلك عنها فعوملت معاملة من يعقل. و: وَحْدَهُ منصوب عند سيبويه على المصدر، وعند الفراء على الحال.