المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٤٢
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٩ الى ٧٢]
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢)
أَشْرَقَتِ معناه : أضاءت وعظم نورها، يقال شرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت.
وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير :«أشرقت» بضم الهمزة وكسر الراء على بناء الفعل للمفعول، وهذا إنما يترتب من فعل يتعدى، فهذا على أن يقال : أشرق البيت، وأشرقه السراج، فيكون الفعل متجاوزا أو غير متجاوز بلفظ واحد كرجع ورجعته ووقف ووقفته، ومن المتعدي من ذلك يقال أشرقت الأرض :
و: الْأَرْضُ في هذه الآية : الأرض المبدلة من الأرض المعروفة.
وقوله : بِنُورِ رَبِّها إضافة خلق إلى خالق، أي بنور اللّه تعالى، و: الْكِتابُ كتاب حساب الخلائق، ووحده على اسم الجنس، لأن كل أحد له كتاب على حدة. وقالت فرقة : وضع اللوح المحفوظ، وهذا شاذ وليس فيه معنى التوعد وهو مقصد الآية.
وقوله : وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ أي ليشهدوا على أممهم.
وقوله : وَالشُّهَداءِ قيل هو جمع شاهد، والمراد أمة محمد الذين جعلهم اللّه شهداء على الناس.
وقال السدي : الشُّهَداءِ جمع شهيد في سبيل اللّه، وهذا أيضا يزول عنه معنى التوعد، ويحتمل أن يريد بقوله : وَالشُّهَداءِ الأنبياء أنفسهم، عطف الصفة على الصفة بالواو، كما تقول : جاء زيد الكريم والعاقل. وقال زيد بن أسلم : الشُّهَداءِ : الحفظة. والضمير في قوله : بَيْنَهُمْ عائد على العالم بأجمعه، إذ الآية تدل عليهم. و: لا يُظْلَمُونَ معناه : لا يوضع شيء من أمورهم غير موضعه. وَوُفِّيَتْ معناه :
جوزيت كملا، وفي هذا وعيد صرح عنه قوله : وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ.
وقرأ الجمهور : وَسِيقَ وجيء بكسر أوله. وقرأها ونظائرها بإشمام الضم : الحسن وابن وثاب وعاصم والأعمش. و: زُمَراً معناه : جماعات متفرقة، واحدها زمرة.
وقوله : فُتِحَتْ جواب إِذا، والكلام هنا يقضي أن فتحها إنما يكون بعد مجيئهم، وفي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم، وهكذا هي حال السجون ومواضع الثقاف والعذاب بخلاف قوله : في أهل الجنة :
وَفُتِحَتْ [الزمر : ٧٣] بالواو مؤذنة بأنهم يجدونها مفتوحة كمنازل الأفراح.
وقرأ الجمهور :«فتّحت» بشد التاء في الموضعين، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيفها، وهي قراءة طلحة والأعمش. ثم ذكر تعالى توقيف الخزنة لهم على مجيء الرسل.